لأعرض نفسي على الأنظار، فتوكلت على الله، على أنى - كما لا أحتاج أن أقول - أهملت العجائز وتركتهن يرحن ويجئن كما يشأن دون أن أكلف نفسي حتى النظر إليهن، وأقبلت فتاة رشيقة تتلفت كالمترددة فتمنيت أن تكون هي ودنوت منها وقلت:
(معذرة. واغتفري لي تطفلي، لا مطر غداً!).
فنظرت إلى باسمة وقالت:
(باردون؟).
فقلت لنفسي: (ليست بها. وقد غلطت والله يا ولد، فاخرج من هذا المأزق بسرعة) فتبالهت وسألتها بغير العربية:
(إنما كنت أسأل هل هذا جروبي؟).
فقالت وهي تبتسم: (طبعاً. . . الاسم مكتوب. . .)
فبلعت ريقي وشكرتها وارتددت عنها.
وأقبلت أُخرى أعذب منها - بلا شك - وأظرف على التحقيق، وأولى بأن ترؤف بي إذا غلطت فيها، وكانت تتأمل إعلانات وصوراً لشركة بواخر هناك، فدعوت الله أن يجعلها من نصيبي، وأقبلت بلا تمهيد:
(مطر غداً)
فقالت بعربية محطمة، استحى أن أثبتها بنصها: (شيء غريب! متأكد؟)
قلت: (ثقي بي. أني نشرة جوية متنقلة. . . مرصد إنساني متجول. . .)
قالت: (ظاهر. . أشكرك. . .)
قلت: (هذا واجبي. . . فلا أستحق شكراً)
قالت: (إنك تؤديه بذمة. . لقد رأيتك الآن تخاطب سيدة هناك. . . وهذه أخرى آتية، فاسمح لي ألا أحول بينك وبين عملك)
قلت: (لم يكذب ظني)
قالت: (كيف؟)
قلت: (كنت موقناً أنك أظرف من تلك التي هزئت وأخجلتني)
فسألتني: (هل أنت على موعد مع مجهولة؟)