الجديدة بينهم فقد رأت الحكومة بعد ما عاينته مدة الحروب الأخيرة من تعلق سكان الجبل ببلادهم وحريتهم، وشيوخهم وأمرائهم - أن تتقرب من هذه الطبقة صاحبة السلطان الحقيقي في الجبل، فودت إليهم أملاكهم التي كانت حجزتها أيام الحرب، وأرجعت من كانت أبعدتهم عن مراكزهم أو وظائفهم إلى ما كانوا عليه وصارت تعاملهم بالحسنى، ثم إنها تساهلت مع الشعب فتركت له سلاحه، وأعفته من الخدمة العسكرية وأقامت له محاكم شرعية ثم حطت عنه بعض الضرائب وخصصت مبلغاً معلوماً ينفق سنويا على حاجيات البلاد من الخزينة المركزية مراعية في كل ذلك عواطف الشعب وعاداته القديمة، واقتصاديات البلاد، فتمكنت بذلك من إرضاء أكثر السكان، وإخماد روح الثورة إلى حد ما بين سكان البلاد إذا نحن صرفنا النظر عن بعض حوادث الثورة التي كانت تظهر بين الفينة والفينة هنا وهناك في بعض أنحاء تلك البلاد. وأهمها تلك الثورة التي حدثت سنة 1878م عندما كانت الدولة الروسية مشتبكة في حرب مع الدولة العثمانية، ولكن سرعان ما تفرغت الحكومة الروسية لإخماد هذه الثورة بعد تصفية حسابها مع العثمانيين، فاستطاعت أن تقضي عليها بسرعة، وعرضت على سكان الجبل الطاعة التامة مع الإخلاص، أو الجلاء عن البلاد والخروج منها إلى حيث يريدون، ففضل كثير من سكان تلك البلاد الهجرة منها إلى تركيا فأنزلتهم حكومتها في بعض جهات الأناضول، وفي سوريه وفي شرق الأردن وفي العراق حيث لا يزالون يقيمون في تلك الأنحاء مواطنين مخلصين لأوطانهم الجديدة حيث يلقون من أهل البلاد وحكوماتها كل رعاية وعطف واحترام.
وبقي آخرون في بلادهم متمسكين بعرى أحكام دينهم وتقاليدهم واستمرت الحال على ذلك حتى كان الانقلاب الشيوعي الذي قلب القيصرية الروسية سنة 1917م.
هذا عرض موجز للأدوار التي مرت على الإسلام واللغة العربية في الداغستان قبل الثورة الشيوعية سنة 1917م وأرجو أن تتاح لي الفرصة للتحدث عن الإسلام والمسلمين واللغة العربية في الداغستان بعد طغيان الشيوعية الحمراء على تلك الربوع في وقت قريب.
حلوان
برهان الدين الداغستان