مجله الرساله (صفحة 57200)

التي لا تزال توالي الصدور بعد أن أفل نجم منشئها المتوقد.

ويجمل بنا ذكر المكتبة النفيسة التي أنشأها هذا العالم العامل وأودعها كل ما عثر عليه واستطاع اقتناءه من الآثار الأدبية والعلمية في البلدان العربية التي زارها وكل ما صدر في أوروبا من كتب الاستشراق حتى أصبحت أغنى مكتبة خاصة بالمختار من الكتب النادرة. والغريب أنه بدأ بجمعها وهو بعد فتى رقيق الحال قليل المال وزادها أضعافا بعد أن اصبح في يسر وإقبال.

وبلغ من شهرته العالمية أنه انتخب عضوا في الجمعية الملكية الآسيوية في لندن والجمعية الألمانية المضارعة لها، وهو مشرف رفيع نادر لم يظفر به سوى فطاحل العلماء. أما في الشرق فقد عرفت له جمعياتنا العلمية مكانته وضمته إلى سلكها ابتداء بالجمعية الملكية المصرية سنة 1932 كما أصبح من الأعضاء العاملين في مجمعي دمشق وبغداد. وفي سنة 1938 أم البلاد السعودية فاستقبل فيها بالإكرام والإجلال وطاف بها من العقبة حتى الطائف تصحبه كريمته الآنسة ماريا غير عابثة بقطع القفار وتجشم الأخطار. وبهذه الرحلة تمت له أمنية طالما راودته وكان اغتباطه عظيما بتغذيته بصره وتشنيفه سمعه بما وعاه ذهنه من أوصاف تلك البلاد وما كتبه بشأنها من أبحاث وألقاه من دروس فعاش مع أهلها عيشة البداوة واطلع على عاداتهم وسمع لهجاتهم وإنشادهم الشعر في سمرهم وهم يصطلون في خيامهم السود أو متكئون حلقات على بساط الرمال. وهناك استعاد إلى ذهنه الحوادث الجسام والانقلابات التاريخية التي مثلت فيما عبر على مسرح تلك الجزيرة المترامية فطوت الأيام الحوادث والرجال وبقى المسرح شاغرا لتحتله فرق جديدة تمثل عليه أدوارا ترمز إلى العصر الجديد.

وكانت أمنيته الثانية بعد عودته أن يصف تلك البلاد وصف شاهد عيان ويقيم المقابلة بين ما عرفه من ماضيها وما خبره من حاضرها ولكن شاءت الأقدار أن يكون تسليمه عليها وداعا وأن تكون آخر بقعة أمها ولم يمهله ريثما يستعيد ذكرياتها في خلواته ويدون بشأنها معلوماته فذهب في سنة 1938 مذكورا بمآثره الغر مأسوفا عليه من كل من عرف فضله ونهل من ينبوع علمه الفياض ليتلألأ كنجم ساطع في سماء النبل والفضل وينعم بالخلود.

العصبة الأندلسية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015