مجله الرساله (صفحة 51238)

العقل نهاية ولا يبلغ منه غاية! ويلوح أنك عليم خبير بكل دقيقة في هذا الوجود!. وها هي ذي أحجاري الثمينة التي أعتز بها، وأهتز زهواً لها! فدعني - بربك - أعلم أيها أعظم - في نظرك الثاقب - قيمة وأكرم معدناً. .) فأجابه الحكيم هازئاً: (هلا أنبأتني يا مولاي أي واحدة تحسبها أثمن هذه الجواهر وأكرمها؟)

فانتقى الملك من بينها جوهرة تتألق جمالاً وتفيض بهاء. . ومد يده بها إلى الحكيم وهو يقول (إن هذه - أيها السعيد الجليل - تبدو لي أشد حسناً وأرفع قيمة!. .)

فتناولها (الحكيم الإغريقي) وراح يفحصها بين أنامله ويقلبها في راحته، ثم أدناها من مسمعه، وأصغى برهة إليها! ثم قال في صوت هادئ رزين: (يخيل إلي يا مولاي. . أن هذا الحجر يضم في جوفه حشرة حية!. .) فأمر الملك - مستغرباً: - بالجوهرة أن تكسر في رفق!. . فخرجت منها أمام ناظريه - دودة تسعى!

فزاد دهش الملك وعظم إعجابه بحكمة الإغريقي، وعقله الفذ وعلمه العجيب. . وأمر بأن يقدم له - في سجنه - رغيف كامل كل يوم!. .

وانسلخت أيام وانقضت شهور، وكان الشك لا يفتأ ينتاب الملك، والظنة لا تبرح تراوده بين حين وحين في نسبه إلى أبيه!. فأرسل في طلب الحكيم، وقال له: (أيها الرجل العليم. . . أن بلاءك اليوم لعظيم. . أريدك على أن تخبرني إبن من أنا؟ ّ)

فأجابه العجوز - مظهراً الدهشة - في صوته الهادئ وحكمته الرزينة: (يا مولاي. . إن هذا لعجيب! لا ريب في أنك إبن سلفك الملك العظيم. . والدك!. (فصاح الملك حانقاً في غلظة: (إياك والمراوغة من سؤالي: أخبرني الحقيقة وأنت آمن! فإن خالجك تردد، فسوف أضرب عنقك كخائن حقير!)

فأجابه الإغريقي: (إذن يا مولاي! لا تثريب علي ولا حرج، أني أخبرك أنك سليل خباز!) فدخل الملك (فيليب) على (الملكة لوالدة). . قلقاً ظامئاً إلى جلاء الحقيقة. . وهددها وشدد النكير عليها. . فاعترفت له بأن الحكيم لم يتجاوز الحق فيما قاله!.

حينئذ بلغ إعجاب الملك بالحكيم حداً عظيماً، فاحتبسه معه في غرفة بمنأى عن القوم - وقال له: (يا سيدي الجليل!. . لقد تجلت لي آيات بينات من علمك، وبراهين ساطعة على قدرتك! وقد حان أن تكشف لي النقاب عن سر معرفتك بها وحكمك عليها!. .)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015