وثيقة!.
كنت أسمع باسم معروف الأرناؤوط، وأقرأ له كثيراً، ولكن لم أكن رأيته، فلما كنت في دمشق صيف سنة 1943 ذهبت إلى لقائه في دار (فتى العرب) فوجدته جالساً في المقهى الصغير المجاور لدار (فتى العرب)، في ذلك المنفسح الواسع الجميل بين دار البلدية ودار الحكومة، وما كدت أسلم وأجلس معه حتى شعرت بأني مع شخص أعرفه من قديم!، وكنت عجلاً لقضاء بعض المهام فأنساني ما ينتظرني من عمل، وطالت جلستنا، وتشعب الحديث وذهب كل مذهب، فكان رحمه الله في أحاديثه شديد التحمس للعروبة والأمة العربية، قوي الإيمان بقدرة هذا الشعب على القيام بالدور المقدر له أن يقوم به في ركب الحضارة. وبعد أن أخذ علي العهد أن أزوره في فترة أخرى، ودعته وفارقته، ولكن لم تسنح لي فرصة زيارته مرة ثانية، فكانت تلك الزيارة هي الأولى والأخيرة.
ولكن تلك الفترة التي قضيتها مع الأستاذ معروف الأرناؤوط في ذلك المقهى الصغير المتواضع تركت في نفسي أثراً لا ينمحي عن خلق الفقيد وكرم نفسه، وحلاوة حديثة وخفة روحه، فكنت أذكره كثيراً، وأتمنى لو تتاح لي فرصة لقائه مرة أخرى، حتى قرأت في (أهرام) يوم الأحد أول فبراير سنة 1948 نعيه، فحزنت عليه، وبكته نفسي. رحمه الله رحمة واسعة.
الأستاذ معروف الأرناؤوط ثالث أديب كبير ترزأ به البلاد العربية وتفقده الصحافة العربية، والأدب العربي والقارئ العربي في أقل من شهر، ففي مطلع الفجر من يوم الثلاثاء الثالث عشر من يناير سنة 1948 فجعت الصحافة العربية بعميدها طيب الذكر أنطون الجميل باشا، فبكته أحر بكاء، وقبل أن يجف الدمع عليه أو يلتئم جرح القلوب على فقده، فجعت بأيب العربية غير مدافع الأستاذ الكبير محمد إسعاف النشاشيبي، فقد ذهب إلى لقاء ربه في مطلع الفجر من يوم الخميس الثاني والعشرين من يناير سنة 1948، فحرك بموته كوامن الأسى وجدد الحزن والألم، فبكته الصحافة العربية أحر بكاء!.
وفي الساعات الأخيرة من ليلة الجمعة الموافق ثلاثين يناير سنة 1948 لفظ الأستاذ معروف الأرناؤوط أنفاسه الأخيرة، وسكنت تلك الحركة الدائبة أثر سكتة قلبية، قضى ثلاثتهم في غضون ثمانية عشر يوماً. وفي حالات متشابهة أصح ما يكونون أجساماً أثر