للأستاذ وديع فلسطين
في مفتتح هذا القرن كان النشء يلحقون في معاهد مصرية خاضعة لوزارة المعارف المصرية (أو نظارة المعارف كما كانت تسمى) فلا يدرسون العلوم والرياضيات إلا بلغة أجنبية تلبية لرغبة المستعمرين ووكيلهم الداهية دنلوب.
بيد أن سعد زغلول باشا لم يكد يتقلد مهام وزارة المعارف في العام السادس من القرن العشرين حتى هب هبته المدوية، وأعلن ثورته وعصيانه على أساليب التربية ولا سيما تدريس العلوم باللغة الإنجليزية. وعلى حين غرة طالع سعد بنى وطنه بقراره الانقلابي، وعمم لغة الضاد بين جدران المعاهد، فأصبحت أداة والتلقين.
وليست هذه المهمة ميسرة كما قد يخال البعض، بل كانت تنطوي في تضاعيفها على تبعات شتى، لعل أبرزها تبعة توفير عدد صالح من الأساتذة يعهد إليهم في شق الطريق واستحداث طائفة من الكتب باللغة العربية تخلف زميلاتها الإنجليزية، وإعادة النظر في برامج التعليم على ضوء التجديد المستحدث. فكانت هذه أول معركة ربحتها اللغة العربية في ساحة صراعها، وعقد لواء الظفر فيها لزعيم سياسي مخلد الذكرى، أبت عليه مصريته أبت عليه قوة شكيمته أن لين للبغاة ويدعهم. يسممون الفكر ويسيئون التربية والإعداد.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي في عام 1875 تقرر في اللائحة للمحاكم المختلطة استخدام اللغة العربية في المحاكم المختلطة بوصفها لغة رسمية مع قرينتين أخريين عما الفرنسية والإيطالية. ولكن عادة المحاكم جرت على اختيار اللغة الفرنسية لغة موحدة في مخاطبتها وإصدار أحكامها، وغضت الطرف عن سائر اللغات الأخرى.
ودرجت سفينة المحاكم المختلطة على السير في هذا المنوال حتى هل شهر فبراير من عام 1934 وفيه عين الأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني بك مستشارا في محكمة الاستئناف المختلطة. وعز على القانوني المصري أن يرى لغة بلاده تهدر ويضرب عنها صفحا، فعمد عند كتابة أول حكم له إلى كتابته بالضاد وتقديمه بعد ذلك إلى رئيس الدائرة البلجيكي ليمضيه. فبهت القاضي واستعاذ بالله، وقال أن مجد المحاكم المختلطة يؤذن بالأقوال ونجمها في طريق الخبو، وكان لهذه الحادثة صدى مدو أفضى إلى أن يتعاضد الأجنبيين