مجله الرساله (صفحة 49348)

ذلك عن تصريح 28 فبراير الذي استخلصه ثروت باشا من الإنجليز وتأليف حزب الأحرار الدستوريين؛ ثم أشار إلى العقاب التي أقيمت في سبيل ثروت باشا فأودت بوزارته وذلك بعد أن قامت لجنة الثلاثين بوضع مشروع الدستور المصري، وواصل الحديث عن وزارة نسيم باشا وما كانت تحاوله من مسخ مشروع الدستور وإلى كفاح جميع الأحزاب في هذا السبيل حتى ظفرت البلاد بدستورها بعد أن حذف منه كل ما يتصل بالسودان، وأخذ يتقصى ما توالى من الحوادث بعد ذلك من تأليف حزب الاتحاد في سنة 1925 والانتخابات التي أجرتها حكومته، وما انتهى إليه الأمر من ائتلاف الأحزاب في سنة 1926 والانتخابات التي دعا إليها الاتحاد وتأليف الوزارات الائتلافية، وزارة عدلي باشا في يونية سنة 1926 ووزارة ثروت باشا في إبريل سنة 1927، وظل يساير الحوادث ويعللها إلى أن مات سعد في 23 أغسطس سنة 1927.

هذه لمحة دالة على بعض ما جاء في هذا الكتاب الذي تتحدث عنه اليوم. وليس الشأن في عرض الحوادث وإيراد الوقائع لأن ذلك أمر يسير على من يتتبعها أو يتطلبها وإنما الشأن كل الشأن في تعليل هذه الحوادث والحكم عليها بالحق والعدل من غير مجاملة ولا خوف رضى الناس عن هذا الحكم أو غضبوا.

لقد كانت الحقبة التي بين سنة 1921و1926 من أصعب الحقب التي مرت على البلاد، فيها اجتازت القضية المصرية أشق مراحلها وأوعرها وذلك بما تجلى فيها من الصراع الداخلي بين زعماء البلاد وقادتها، وكان منشأ الخلاف التنازع على رئاسة المفاوضات واستعر لهيب هذا الخلاف حتى شمل البلاد جميعاً فانقسمت الأمة شيعاً وتفرق جمعها بدداً، والتنازع ولا ريب يؤدي إلى فشل الأمة وذهاب ريحها، ثم امتد هذا الخلاف إلى الدستور وكيف تحكم البلاد، وقد كان كل حزب يعمل في هذه الحقبة لنفسه، ولا يريد إلا أن تكون البلاد تحت حكمه.

من أجل ذلك كله وغيره كان تاريخ هذه الحقبة ثقيلاً لا تنهض به إلا النفوس الكبيرة التي لا تؤثر على الحق شيئاً ولا تهاب في سبيل الجهر به أحداً، وهذه الصفات لا تتوافر إلا في مثل المؤرخ الجليل عبد الرحمن الرافعي بك الذي قضى ما قضى من عمره المبارك في سبيل خدمة بلاده بإخلاص وأمانة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015