مجله الرساله (صفحة 49253)

من رد هذه الحملات إلى البحر والمحافظة على السواحل الإسلامية واسترجاع المناطق التي سيطر العدو أحياناً عليها، ولعل هذه الانتصارات السهلة هي التي جعلت أمراء المماليك بمصر يستصغرون شان الحملة الفرنسية عليهم، وكانوا في هذا من المخطئين فدفعوا الثمن غاليا بهزيمتهم وموتهم وأضاعوا البلاد من أيديهم.

وبهذه الحملة انتقلت حلقات الهجوم المضاد لمعارك تور وبواتييه إلى الشاطئ العربي وبدأت حرب الموت والفناء تشنها قوة تعتقد أنها تستعيد مجد روما على الرمال التي حملت أعلام روما القاسية، وتستوحي في قتال المسلمين ذكريات الحروب الصليبية ومعارك لويس التاسع في أفريقيا، وهكذا شاءت فرنسا أن نعيش نحن معاشر العرب بأفريقيا الشمالية في غمرات الهجوم المضاد الذي بدأه الجرمان شارل مارتل علينا.

ولم يكن هناك ما يبرر هذا العدوان فقد تقرا الكثير مما ذكره المؤرخون عن حادث إهانة الوالي حسين باشا للجنرال دوفال قنصل فرنسا حينما قدم عليه للتهنئة بعيد الفطر سنة 1234 هجرية وما سبق هذا من النزاع على الديوان التي ماطلت فرنسا في دفعها لحكومة الجزائر والدور الذي لعبه كل من يعقوب كوهين بلري وميخائيل أبو زناك اليهودي في هذه القضية وهل ترفع إلى مجلس الجزائر أو إلى محاكم باريس التجارية للفصل فيها ثم احتجاج القنصل ومغادرته البلاد ومن معه من التجار الفرنسيين وما قيل من أن هذا القنصل تعمد إيجاد هذا الحادث بتوجيه عبارة غير لائقة للوالي حينما طلب إليه إجابة صريحة من حكومته فرد عليه انه ليس من عادة ملك فرنسا أن يكاتب من هو دونه بغير واسطة فأثار بقوله غضب الوالي.

إذ ما الفائدة في تعرف أسباب العدوان بين القوي والضعيف والنية مبيتة والاستعداد قائم، ولم يكن اختيار الجنرال ليرأسها وهو عسكري إلا توطئة وتحضير للأعمال الحربية القادمة.

ووقعت الواقعة في التاسع عشر من يونية سنة 1830 إذ أقدمت فرنسا بغير إعلان حرب ولا أخطار للدولة صاحبة السيادة أو إنذار للوالي فأنزلت عساكرها في مرسي سيدي فرج، وهي بقعة خالية من الناس لا تحرسها غير قوة صغيرة من الجنود في برج قائم رأت أن تنسحب بغير قتال حقنا للدماء أمام طوفان الفرق النازلة من الأسطول بمدافعها وعتادها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015