مكاشفتك به ثم جادا في إصلاحه إذا وقع منك موقع القبول.
ذلك أنني في أثناء تصفحي السريع للكتاب مررت بجملة خطيرة تكررت على سبيل التوكيد ثلاث مرات في صور متعددة، وسرعان ما رأيت من آمن بها من الباحثين - بله عامة القراء - كصديقنا الفاضل الأستاذ عبد المنعم خلاف، إذ أوردها في عرضه للكتاب في مجلة الرسالة (ع699س14ص1322) على سبيل الإقرار والتأييد والإعجاب، وهي في رأيي بعيدة عن الصواب، وإقرارها يفتح منفذا إلى الإسلام يهدمه من أصوله وأنت يا سيدي لا تريده بحال من الأحوال.
قلت في (ص128): (وحيثما كان العدل فثم شرع الله ودينه، فإذا فرض أن هذا العدل يقتضي أمرا لا نص فيه ولا أثر شرعيا فعليه أن يجتهد برأيه).
هذا صحيح لا غبار عليه، ولا جدال فيه، ولكنك لما مثلت له أتيت بمثال عملي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن مطابقا لما قصدت له من التوضيح للقاعدة المذكورة ذلك هو عمله حين أريد على قسمة أرض السواد، فأبى إلا بقاءها بأيدي أهلها، وضرب عليها الخراج. لقد ذهبت إلى أنه عمل ذلك برأيه، وترك ظاهر النص القرآني (ص129)، ثم استحسنت منه هذا التصرف في موضعين من بعد، فقلت في (ص130): (هذا مثل من تصرف تلميذ الرسول وخليفته في أمر جاء به نص، وهو نفسه يسلم بهذا النص. . .)، وقلت في (ص131): (وعليه فالدولة الإسلامية التي يكفل فيها الإمام التوازن الاجتماعي والتي تقوم على قوله تعالى: (وزنوا بالقسطاس المستقيم) والتي أخذ فيها برأي عمر رضي الله عنه في ظرف ما وعدل به عن ظاهر النص القرآني عدولا مبرره المصلحة العامة. . .).
وهذه الأقوال، على اختلاف صورها، تتضمن أشياء منها ما يتعلق بالقاعدة المذكورة في ص128، ومنها ما يتعلق بشخص عمر ومواقفه من النصوص الشرعية، ومنها ما يتعلق بالمصلحة المرسلة والتحسين والتقبيح العقليين، ومنها ما يتعلق بحقيقة المثال وكيفية تصرف عمر في المسألة: هل هو ضمن النص أولا. وإني ذاكرها على الوجه الذي أراه تبيانا للحق في هذه المسائل ووضعا له في نصابه منها.
فأما ما يتعلق بالقاعدة، فهذه المسألة على الوجه الذي ذكرته أو على حقيقتها التي سأوردها،