مجله الرساله (صفحة 44163)

فلسطين بين العرب والصهيونية

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

دخلت قضية فلسطين في مرحلة جديدة، أو كرت راجعة، على الأصح، إلى مرحلة قديمة. فما هذه بالمرة الأولى التي تؤلف فيها لجنة تحقيق، تبحث وتدرس وتقترح، وقد كان المأمول بعد أن تعددت اللجان، وصارت تقاريرها أكواماً أو تلالا، وصدر الكتاب الأبيض قبيل الحرب. أن لا يعاد فتح الباب على مصراعيه هذا الفتح التام كأنما هي مشكلة طارئة لا عهد لأحد بها ولم يسبق لبريطانيا نظر فيها وتدبر ودرس لها. وإنه لأمر محزن ولا شك أن يتكرر هذا كل بضعة أعوام وإن كان لا جديد هناك سوى أن الصهيونيين ضاعفوا نشاطهم ولجوا في العنف والعدوان وأغرقوا حتى وجب أن يحرموا كل حرمان. فإنه إذا كان هذا مبلغ استخفافهم بدولة قوية المراس شديدة البأس مثل بريطانيا، فمن ذا الذي يستطيع أن يأمن شرهم إذا صارت لهم - لا أذن الله - في فلسطين دولة خالصة لهم؟ أليست الدولة العربية المجاورة لفلسطين على حق جلى في مقاومتها لقيام هذه الدولة الخطرة؟

ويخطئ من يظن أن الصهيونيين تدرجوا في مطالبهم وتوسعوا فيها شيئاً فشيئاً، أو أنهم كانوا يخفون غايتهم في البداية، أو أن أطماعهم تفاقمت على الأيام. فليس مثل هذا الظن بصحيح، وتاريخ مساعيهم ينقضه. ولست أنوي أن أورد هذا التاريخ الطويل فما يتسع له هذا المقام، ولكني أذكر على سبيل التمثيل أن بريطانيا كانت قد عرضت على الصهيونيين في سنة 1903 أن تسكنهم أفريقيا الشرقية فأبوا هذا كل الإباء، وروت مترجمة اللورد بلفور - صاحب الوعد المشهور - أنه سأل الدكتور وايزمن (وهو بولندي الأصل) في سنة 1905 عن السبب في رفض الصهيونيين أن يرحلوا إلى أفريقية الشرقية، فكان رد الدكتور وايزمن أن سأل بلفور:

(هل تقبل باريس بديلا من لندن؟)

فقال بلفور: (ولكن لندن بلدي؟)

قال وايزمن: (وكذلك القدس!)

وفي سنة 1915 اقترح الصهيونيون على الحكومة البريطانية أن تعطيهم فلسطين على أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015