بأس المسلمين واهيا. كان لا يريد إلا الإصلاح ما استطاع بين المختلفين فحينما حدثت الفتنة سنة 716 بين الحنابلة والشافعية بسبب العقائد أصلح بينهم في مجلس حافل بدار نيابة السلطنة وخرج المتنازعون على خير حال من التفاهم
وكانت تقوم إلى جانب العلماء والمدرسين وظيفة الخطيب وكانت الشهرة في المساجد الصغيرة كفيلة بإيصال الخطباء إلى المساجد الكبيرة، كالجامع الأموي والأزهر ومساجد المدن الكبرى في الشام ومصر. وكان لكل بلدة خطيب مشهور بجانب عدد آخر من الخطباء المغمورين. فاشتهر بالخطابة الجامع الأموي بدمشق الشيخ زين الدين الفارقي وتولاها بعد وفاته شرف الدين الفزاري. واشتهر بالخطابة في بعلبك ضياء الدين ابن عقيل وأبوه جمال الدين، وقد توليا الخطابة في هذه البلد ستين عاما واشتهر بالخطابة في مصر بهاء الدين السكر وشمس الدين الجزري خطيب جامع ابن طولون ونور الدين القسطلاني خطيب جامع عمرو بن العاص
ولم يكن للخطيب أن يقضي بين الناس أو يفصل الخصومات فذلك شأن القاضي الذي يعينه قاضي القضاة ولكن حدث أن خطباء انتدبوا لمهمة القضاء، كما حدث بعض القضاة انتدبوا للخطابة. فنرى في حوادث سنة 706 في تاريخ إبن كثير أن سليمان بن هلال بن شبل الخطيب انتدب للقضاء بدلاً من القاضي جلال الدين القزويني الذي كلف بالخطابة عوضاً من القضاء
وكان بعض الخطباء يتولون التدريس، كما أن بعد القضاة يجمعون بين الحكم والتدريس كالقاضي على بن صفي الدين الحنفي الذي تولى قضاء الحنفية في دمشق مع ما بيده من التدريس
كان منتصف القرن الثامن الهجري مملوءاً بالأحداث الجسام كما سلف القول؛ فالتتار على أسوار دمشق، وقبائل العرب في مصر العليا شقت عصا الطاعة على الملك الناصر في مدة سلطنتة الثانية، والصليبيون قدموا باتفاق أمير قبرص لغزة دمياط. وألمماليك منقسمون على أنفسهم؛ ففريق مع السلطان الناصر المتخلي عن عرشه، وفريق آخر مع الأمير بيبرس، وفي وسط هذه التيارات القوية نجد العلماء يحرضون على مقابلة التتار، ويدعون لمحاربة الصليبيين، ويقيمون المناظرات الدينية عوداً إلى عهود الجدل والكلام؛ ولكنهم مع