مجله الرساله (صفحة 38712)

مقدمة ابن خلدون

للأستاذ محمود أبو ريه

كنا نسمر في إحدى الليالي مع الأستاذ الكبير صاحب الرسالة، فكان من حديثه الممتع الهادئ أن العلامة المحقق ساطع الحصري قد ألف كتاباً فريداً جعل موضوعه (دراسات عن مقدمة ابن خلدون) تلك التي لم تخرج القرائح العربية مثلها، وفي عبارات عذبة أنشأ الأستاذ الزيات يشيد بفضل هذا العمل الطريف. وقد أثار هذا الحديث المستوعب شوقنا إلى هذا الكتاب، وزاد هذا الشوق لما قرأناه اليوم مقدمته النفيسة في الرسالة

ولما كان العلامة الحصري قد حدثنا في كتابه (إن جميع طبعات المقدمة التي صدرت عن مطابع القاهرة وبيروت مشوبة بنواقص كثيرة وأغلاط فادحة - وإنها ناقصة - من حيث المتون والفصول معاً) فإني أنشر كلمة لها علاقة بما حقق هذا العالم الجليل وفيها نفع لمن أراد أن يقف على تاريخ هذه المقدمة

في صيف سنة 1923 قرأت بإحدى المجلات كلمة لأحمد تيمور باشا رحمه الله ذكر فيها أن كل طبعات مقدمة ابن خلدون لا تطابق الأصل الصحيح منها، وإنه يوجد بمكتبة زكي باشا نسخة خطية من هذه المقدمة صححها المؤلف بقلمه فسررت بهذا النبأ وتوجهت باستفهام إلى زكي باشا على جريدة المحروسة عما نشره تيمور باشا، وكان ذلك في 17 أغسطس سنة 1923 فأجاب رحمه الله ببضع مقالات على هذه الجريدة تكلم فيها عن طرف من تاريخ ابن خلدون ومقدمته. وأنا لا أعرض إلا لما قاله عن هذه المقدمة النفيسة، وفيه العلاج لما نحن بسبيل الكلام فيه اليوم.

ذكر رحمه الله أن هذه المقدمة الفريدة قد ظل أمرها مهملاً خمسة قرون كاملة، فقد تم تأليفها في سنة 775هـ، ولم تظهر إلا في سنة 1274هـ: سنة 1857م. وكان أول من عثر على هذا الكنز رجل نمساوي اسمه آسرلي، فقد وقف في دار كتب (ويانة) عاصمة النمسا على نسخة مخطوطة من هذه المقدمة، ونقل كثيراً من فصولها، وترجمها إلى اللغة الطليانية، ثم نشرها مع بعض ملاحظات وتعليقات في المجلة المعروفة باسم الخزانة الطليانية فكانت أبحاثه مدعاة لتنبيه علماء أوربة إلى العناية بهذا الأثر العربي الكريم (ولما جاء المسيو آسرلي إلى مصر قنصلاً لدولته لدى محمد علي باشا كان مما عمله أن حض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015