مجله الرساله (صفحة 38328)

الهوة التي لم تكن تليق بأسمى الأعمال الفنية الثقافية. نذكر أن متوسط نفقات المسرح العادي في إنجلترا في الأسبوع الواحد هو أربعمائة جنيه، ويقفز هذا المبلغ في مسارح الوست إند الإنجليزية إلى 1200 جنيه أو 1300 جنيه في الأسبوع، إذ يقدر إيجار المسرح بما يتراوح بين 250 و 600 جنيه في الأسبوع الواحد، ومتوسط إيجار أحد المسارح اللندنية اليوم هو 400 جنيه في الأسبوع، وبإضافة أجور الممثلين والإداريين ومصممي المناظر ومهندسي الإضاءة والخدم والمستخدمين الآخرين ورجال الأركسترا وأجور الإعلان والنور والتدفئة الصناعية وثمن الدرامة وضريبة الملاهي (وإن تكن محتسبة على النظارة) يقفز المنصرف على المسرح أسبوعياً إلى ما ينيف على الألف جنيه بكثير. وإذا علمنا أن ثمن تذكرة الكرسي الممتاز هو ستون قرشاً (12 شلناً)، وأن ثمن الكرسي العادي هو تسعة قروش عرفنا أن إيراد المسرح متوقف إلى حد بعيد على ثمن الكراسي الممتازة (الألواج والبناوير والكراسي الأمامية) وهي الكراسي التي يدفع ثمنها الأغنياء من الجمهور الذي وصفنا، فإن لم يعمل مدير المسرح حساباً لذوق هؤلاء الأغنياء انصرفوا عنه بطبيعة الحال وتكون النتيجة المنطقية هي الخراب والإفلاس إذ تسقط الرواية من الوجهة الاقتصادية، والمدير محتاج - كي يغطي مصروفات الإخراج فقط - إلى أن تباع جميع كراسيه في حفلات شهرين على الأقل، لأن فترة الإخراج لا تدر عليه إيراداً، وهي عادة تكلفه ثلاثة أسابيع، أي أنها تكلفه حوالي أربعة آلاف أو خمسة آلاف من الجنيهات. ومن أظرف ما يورده إرفن بهذه المناسبة أن جميع المديرين في مسارح لندن، بل في جميع المسارح الإنجليزية هم رجال مثقفون ثقافة ممتازة، وهم لهذا يخجلون من أنفسهم كلما بالغوا في الإسفاف بالدرامة إلى حضيض التهريج والشعبذة ليضمنوا إقبال الطبقة الخاصة من هؤلاء الأغنياء التي تشتري التذاكر ذات الأثمان المرتفعة

(وليس أحب إليهم، لهذا السبب، من أن يقدموا للجمهور درامات من عصارة الفكر ولباب الفلسفة لو ضمنوا جمهوراً من الأغنياء الفلاسفة؛ إذ لو تأخر الزمن بشكسبير وأقبل بعد الحرب الكبرى وفي يده روايته الخالدة هملت ليعرضها على أحد هؤلاء المديرين لألقوه جميعاً من نوافذ مسارحهم، إن لم يلقوه في شيء آخر داخل هذه المسارح (!!) وذلك لأن في رواية هملت ثلاثين بطلاً يقتل معظمهم، ثم منظر هذا الشيخ المفزع كفيل بتمزيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015