مجله الرساله (صفحة 35091)

الحكمة الحائرة

للأديب عبد الرحمن الخميسي

(إِذَا لَمْ يُعَكِّرْ صَفَاَء السِّماء ... نِثَارٌ مِنَ السُّحُبِ الْعَابِرَةْ

فَلَيْسَتْ تَبِينُ تَهَاوِيلُهَا ... وَلاَ صَفْوُ قُبَّتِهَا السَّاحِرَةْ

وَإِنْ لَمْ يَثُرْ في حَوَاشِي الْحُقولِ ... شِتَاءٌ، هَوَاطِلُهُ غَامِرَةْ

فَمَا تَتَرَعْرَعُ أَغْرَاسُهَا ... وَمَا تُورِقُ الْخُضْرَةُ الزَّاهِرَةْ

وَلَوْلا شُبُوبُ الْحَرِيقِ لَمَا ... فَزِعْنَا إلى الْغُدُرِ الْهادِرَة

وَهذَا الصَّبَاحُ يُطِلُّ خِلاَلَ ... نَوَافِدَ حَالِكَةٍ بَاسِرَةْ

وُيولَدُ في رَاحَتَيْ ظُلْمَةٍ ... لِيَنْفُثَ أَنْوَارَهُ الْبَاهِرَةْ

فَلاَ بُدَّ لِلشَّرَّ من أن يَعِيشَ ... وَتَحْرُسَهُ الأَنْفُسُ الْخَاسِرَةْ

لِتَبْزُغَ في عُمْرِهِ هَالَةٌ ... مِنَ الْخَيْرِ صَادِقَةً طَاهِرَةْ

وَتِلْكَ نَوَامِيسُ هذَا الْوَجُودِ ... وَتِلْكَ هِيَ الْحَكْمَةُ الْحَائرَةْ)

كَذَلِكَ قَالَتْ لِنَفْسِي الْحَيَاةُ ... وَأَوْحَتْ مَعَالِمُها السَّاخِرَةْ

وَقَالَ لِيَ الصَّقْرُ في عِزَّةٍ: ... أُحَلِّقُ فَوْقَ الذُّرَى النَّافِرَةْ

وَأَنْقَضُّ في اللَّيْلِ فَوْقَ الْوُكُورِ ... وَأَنْهشُ أََطْيَارَهَا السَّادِرَةْ

وَأَتْرُكُهَا لِلدُّجَىَ وَالسُّكُونِ ... هَوَاتِفَ بِالْفَجْعَةِ الْغَادِرَةْ

وَيُسْفِرُ في الرَّوْضِ وَجْهُ الصَّبَاحِ ... فَتُعْوِزُهُ الْجَوْقَةُ الطَّائرَة

وَيَسْأَلُ مُسْتَنْجِداً بِالْغُصُونِ ... عَنِ الطَّيْرِ وَالغُنْوَةِ الْبَاكِرَةْ؟

فتَهْتَزُّ هَامَاتُهَا حَسْرَةً ... وَتَدْمَعُ أَزْهَارُهَا الْعَاطِرهَ

لأِنَّ الْعَصَافِيرَ مَا اسْتَيْقَظَتْ ... وَمَا هَلَّلَتْ بِالشَّذَى سَاكِرَة

وَمَا اسْتَقْبَلَتْ بِالْغِنَاءِ السَّنَى ... وَمَا حَوَّمَتْ في الْفَضَا ذَاكِرَة

وَيَنْسَابُ بَيْنَ الْعَشَاشِ الضِّيَاءُ ... لِيُوقِظَ أَطْيَارَهَا الشَّاعِرَة

وَيَرْتدُّ مُنْذَعِراً بَاهِتاً ... وَتَفْتُرُ لمْعَتُهُ الْوَاهِرة

إِذَا مَا جَرَى فَوْقَ أَعْشَابِها ... عَلَى جُثَثٍ مَيْتَةٍ ضَامِرَة

وَيَعْلَقُ بِالنَّسَماتِ النَّدَى ... دُمُوعاً مُبَلْوَرَة ثَائرَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015