مجله الرساله (صفحة 3289)

المكتفي ومن بعده من الخلفاء طوال القرنين الثالث والرابع إلى قبيل منتصف القرن الخامس يهزمون ويهزمون، حتى دوخوا الدولة وشقيت بهم الناس، وعانت الدولة العباسية في سبيل قمع حركتهم جهدا كبيراً، وشغلوا بحركاتهم الهجومية جانبا عظيما من وقت الخلفاء فحشدوا لهم الجيوش يقاومون دعوتهم الجريئة وخروجهم عليه، وكثيرا ما انهزمت جيوش الخلفاء أمام جيوشهم واستماتتهم في الدفاع، وكم من غنائم ظفروا بها وأرواح أودوا بأصحابها، وكم من أسرى قتلوهم وصفدوهم بالأغلال. واظهر ما في تاريخهم في تلك السنوات العديدة أعمالهم الوحشية واتخاذهم القتل والتعذيب وسيلة إلى دعوتهم ونشر مذهبهم، وأشنع من ذلك اعتداؤهم على قاصدي بيت الله يقتلونهم ويسلبونهم أموالهم وينشرون الرعب في القلوب حتى قل زائرو الكعبة وانقطعوا عن الحج في بعض السنين، وقد سودوا صحيفتهم بالاعتداء على الحجر الأسود ونقله إلى أحد حصونهم حيث بقي فيه نحو اثنتين وعشرين سنة.

هذه الفئة التي أجملنا تاريخها إلى عام 436 وفيه أوقع صاحب ما وراء النهر بجموعهم وكتب إلى سائر البلاد بقتل من فيها منهم والذي أسرفنا في إجماله حتى لا يمل القارئ من تفصيل الحروب وكثرة المواقع، هذه الفئة هي التي ازدادت شوكتها قوة وأمرها خطرا وسدرت في أعمال القتل والنهب وأمعنت في تعاطي الحشيش واستمرت خداع الناس وفتنتهم عن دينهم، وذلك بظهور الحسن ابن الصباح وتوليه زعامتها عام 483 هـ فجعل منها عصابة سياسية مجرمة ديدنها أن تعيث في الأرض فسادا تقتل وتنهب وتقلق الوادعين. تلك هي طائفة الحشاشين في نهاية القرن الخامس الهجري وقبل أن نشرح أعمالها نتكلم عن زعيمها هذا وكيف وصل إلى زعامة القوم فهوى بهم إلى الحضيض الأسفل من الأخلاق والسلوك.

محمد قدري لطفي ليسانسيه في الأدب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015