صاحب الديوان المتمرد
لست أدري أثورة روحه أعظم من ذكاء عقله، أم أن ذكاء عقله أرجح
كفه من ثورة روحه؟ فهو أن أردت فيه كلمة حق ذكي ملتمع الذكاء،
ثائر ملتهب الثورة، وهو فتى في ربيع الحياة لم يعد فيما أظن الثالثة
والعشرين من عمره
رأيته أول ما رأيته هادئاً كالطفل الذي يحلم أحلام نفسه الغريرة، ولكني لم ألبث أن وقعت منه على ثائر تأكل ثورته أعصابه وتحرق دمه في غير هوادة ولا إبطاء. على أنني رأيت من عذوبة روحه مع ذلك ما جعلني أعجب كيف يجتمع مثل هذا التمرد الصاخب ومثل هذا الظرف الفكه في نفس واحدة! وإن أسارير وجهه لتتشكل بما يجري في نسفه فتكون صفحة محياه كسماء (أمشير) لا تصفو حتى تتجهم، ولا تتجهم حتى تنقشع من رقعتها الغيوم. دنوت منه ألتمس حل مسألة عنده، وما أكثر ما تدفعني المسائل دفعاً إلى أصحاب الديوان! وما يثقل شيء على نفسي مثل أن التمس معروفاً عند صاحب ديوان كبيراً كان أو صغيراً صديقاً كان أو لا يربطني به سبب من معرفة، وأنا وإن كتبت عن أصحاب الديوان ما أكتب وأنا مطمئن في حجرتي ولدي مكتبي، ليركبني الخوف ويتملكني الحياء وتأخذني الربكة من جميع أقطاري كلما دخلت حجرة أحدهم لأحادثه في أمر جل أو هان، حتى لو كان لتحية. وسبب ذلك لا يزال مجهولاً عندي، ولن يزداد على الأيام إلا غموضاً وخفاء!
وأقبل على صاحب الديوان هاشاً مرحباً، وترك أوراقه كلها جانباً، وأخذ يستمع ألي. ولم أكد أستعيد توازني أو أسترد مواقف دفاعي كما يقول المتحدثون عن الحرب في هذه الأيام، حتى قطع علي الكلام ومال بالحديث عن مجراه ودفعه في شؤون كثيرة لا علاقة لها ألبته بما جئته من أجله. وأخذ يتحدث ثم يتحدث، وكل حديثه شكوى، وهو لا يكاد يقع على أمر حتى يطير عنه إلى غيره - لا يعني متى يطير ولا أين يقع - فللمحسوبية نصيب من حملاته، ولعدم إخلاص الناس في أعمالهم بعض سهام لومه، وللحرب القائمة والمسئولين عنها جانب من غضبه، ولفوضى الأخلاق قدر كبير من صخبه، ولتقلب الجو قسط من