يبحث الدكتور - مع هذا - عن أسباب هذه المقاومة عدة مرات، فيعزوها مرة إلى عوامل عرضية مثل استياء الإنكليز من انتخاب معلمي هاتين اللغتين من الفرنسيين والبلجيكيين (ص 275)، أو كيد أستاذ من أساتذة كلية الحقوق للعميد الأول لكلية الآداب الحكومية (ص279)، غير انه يعزوها في المرة الثانية إلى عوامل أساسية تتلخص - من حيث الأساس - في نقص (ثقافة القائمين بشئون التعليم في مصر) (ص281).
يقول المؤلف في هذا الصدد: (وأكبر الظن أن مصدر هذا إنما هو أن الجيل الحاكم والمرتقي إلى الحكم لا يتقن العلم بالشئون الثقافية في أوربا ولا يكاد يعرف منها إلا ظواهرها، وظواهرها الغريبة اليسيرة التي لا يحتاج فهمها ولا العلم بها إلى جهد ولا عناء) (ص 281).
إذ أن (منهم من تعلم في المدارس المصرية وانتهى إلى غاية التعليم العالي المصري أيام الاحتلال، ثم وقف عند ذلك ولم يتجاوزه فلم يعرف من حقيقة التعليم شيئاً أو لم يكد يعرف منه شيئاً. .) (ص 281) ومنهم (من اتصل بالجامعات الأوربية قبل أن يتم التعليم العالي في مصر أو بعد أن أتمه فدرس فيها وظفر ببعض إجازاتها، ولكنه درس فيها عجلاً وظفر بأيسر إجازاتها وأهونها وانتفع في هذا كله بنظام المبادلات التي تقره الجامعات الأوربية لتيسر على الأجانب الاختلاف إليها وترغبهم في الاتصال بها. . .) (ص 282)، ولذلك عاد من أوربا دون أن يعرف (من الحياة العقلية الأوربية إلا ظواهرها وأشكالها. . .) (ص283).
وإن (بين الذين ذهبوا إلى أوربا وعادوا منها وبين الذين أقاموا في مصر واتصلوا بأوربا بعض الاتصال، من ألمّ إلماماً يسيرا بل إلماماً ناقصا مشوها بهذه الخصومة التي قامت في أوربا منذ أواخر القرن الماضي بين الديمقراطيين والمتطرفين من جهة، وبين المعتدلين والمحافظين من جهة أخرى حول تعليم اللاتينية واليونانية. . .) (284) (إنهم فهموا هذه الخصومة على غير وجهها الصحيح، وظنوا أن التجديد يقتضي بغض هذه الأشياء القديمة). . . (ولم يخطر لهم أن يتعمقوا هذه الخصومة ولا أن يتبينوا موضوعها وغاياتها. . .) (ص 285).
إن المقاومة التي تلقاها اللاتينية واليونانية في مصر نشأت من هذا النقص الأساسي. فلو