ولسنا نعرف على وجه التحقيق ماذا كان يوجه إلى الهاشميين من تهم. وكل ما ترويه لنا المصادر هو ما يرويه لنا الطبري (أخبار سنة 169 جـ 3 ص 549) وما لخصه عنه ابن العبري في كتابه (تاريخ مختصر الدول) (ص 221) من أن ابنة يعقوب بن الفضل قد اعترف أثناء محاكمتها بأنها حبلى من أبيها! والمانوية تحلل زواج الآباء بالبنات في الروايات الإسلامية.
ولم يقتصر الأمر على الخلفاء في اتهامهم الخصوم بالزندقة لأغراض سياسية، بل كان هناك من الوزراء من يتخذون الاتهام - الباطل غالباً - بالزندقة سبيلاً للكيد والوقيعة بنظرائهم أو خصومهم الذين يحقدون عليهم. ومن هنا نستطيع أن نفهم تلك الرواية التي ذكرها الطبري (ج 3 ص 490) ثم الجهشياري في (كتاب الوزراء والكتاب) (ص 89 - ص90)، ثم صاحب الأغاني وغيرهم، عن اتهام أبناء أبي عبيد الله الوزير بالزندقة. فقد اتهم الربيع صاحب الخليفة المهدي ومنافس أبي عبيد الله الوزير أبناء هذا الأخير، أو واحداً من أبنائه - كما في بعض الروايات - بأنهم زنادقة. وقد أفلح الربيع في هذا الدس عند الخليفة الذي أمر بأن يقتل عبد الله بن أبي عبيد الله الوزير. وكان ذلك سبباً في توتر العلاقات بين المهدي وبين أبي عبيد الله، حتى أن الخليفة عزله من منصب الوزارة، ولى يعقوب بن داود بدلاً منه
والطبري يذكر صراحة أن اتهام ابن أبي عبيد الله بالزندقة كان يقصد به زعزعة مركز أبيه عند الخليفة المهدي. وقد كان أبو عبيد الله موضوعاً لدسائس موالي المهدي. ويذهب صاحب الأغاني إلى أبعد من هذا فيقول إن المهدي أدرك من بعد السبب الذي من أجله أبلغه الربيع أخباراً عن زندقة ابن الوزير (الأغاني 21 ص 122)
والآن، وبعد هذا العرض الموجز للاضطهادات التي عاناها الزنادقة، أو من اتهموا بالزندقة، في الفترة ما بين سنة 163 وسنة 170، نسائل أنفسنا: ما هي هذه الزندقة التي اتهم بها هؤلاء، وبأي معنى يجب أن تفهم؟
يرى صاحب المقال أن الزندقة التي حاربها المهدي والهادي في شخص هؤلاء الزنادقة هي المانوية، أولاً وبالذات. ودليله على ذلك ما ذكرناه من قبل من الوسائل التي كان يمتحن بها القضاء قيمة رجوع الزنادقة عن الزندقة، وإنكارهم لها، حينما يقدمون إليهم. ويؤيد هذا