وأخيراً كتب الأستاذ فرنشسكو جبرييلي: (تعليقات على بشار بن برد) ظهرت في مضبطة مدرسة الدراسات الشرقية سنة 1937.
وكل هؤلاء الباحثين لم يحاول واحد منهم حتى الآن أن يكتب عن حركة الزندقة كلها كما ظهرت في الإسلام. ولكن بين يدي الآن فصل ممتع كتبه الأستاذ جورج فيدا سنة 1935 ولم ينشر إلا في سنة 1937 في (مجلة الدراسات الشرقية) أراد فيه أن يدرس تاريخ الزندقة الظاهري - إن صح هذا التعبير - دون التعرض للمناظرات التي قامت ضد الثنوية والمانوية ولما عسى أن يكون هناك من أثر للمانوية في الحياة الفكرية في ذلك العصر (أوائل العصر العباسي)، معتمداً في ذلك على المصادر التاريخية الخاصة باضطهاد الزنادقة، وبأشهر الزنادقة في خلافة العباسيين الأول. وأول هذه المصادر وأهمها كتاب (الفهرست) ويليه كتاب (الأغاني). ثم كتب التاريخ الكبرى مثل: (تاريخ الطبري) و (مروج الذهب).
بدأ الأستاذ فيدا بحثه بأن أورد في القسم الأول منه الفقرات الموجودة في كتاب (الفهرست) لابن النديم، وبعضها خاص بتاريخ المانوية في بلاد الإسلام واختلافهم حول الإمام بعد ماني، واضطهاد كسرى لهم وتشتتهم في البلاد وأسماء رؤسائهم. والبعض الآخر من هذه الفقرات يتعلق بالمتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة، وبأسماء الرؤساء والأمراء الذين اتهموا بالزندقة في أيام العباسيين.
وفي القسم الثاني تحدث صاحب المقال عن اضطهاد الزنادقة اضطهاداً رسمياً في أيام الخلفاء العباسيين الأول. فقال: إن المصادر لا تسمح لنا بتتبع هذا الاضطهاد إلا في الفترة القليلة التي مضت بين سنة 163هـ إلى سنة 170 هـ أي في السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي القصيرة الأجل.
ففي سنة 163 بدأت حملة المهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغاني بلقب (صاحب الزنادقة) بالقبض على كل الزنادقة الموجودين في داخل البلاد. فقبض على من استطاعوا القبض عليه، وأتوا به إلى الخليفة الذي كان حينئذ في دابق؛ فأمر بقتل بعضهم، وتمزيق كتبهم. واستمر الحليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية، حتى بلغ الاضطهاد غايته في الفترة ما بين سنة 166 هـ وسنة 170