للأستاذ بيير فيينو
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
ما هي الظروف التي أحاطت بمفاوضات المعاهدة؟
ولنتساءل الآن: ما هي الظروف التي أحاطت بمفاوضات المعاهدة السورية الفرنسية؟
ليست البلاد السورية بلاداً منعزلة في محيط بعيد، ولكنها على النقيض من ذلك تقع في قلب العالم وتخضع لتيارات من التأثيرات العميقة: أهمها سياسة إنكلترا في البلاد العربية المجاورة كمصر والعراق
ومهما يكن شأن تلك السياسة فنحن لا نستطيع أن ننكر أنها ساعدت في مختلف مراحلها على إثارة الشعور العام في البلاد التي تخضع لانتدابنا
وأول ذلك أن إنكلترا وعدت الشريف حسين سنة 1914 بالمساعدة على تأليف الإمبراطورية العربية، ثم إنها اتخذت بعد الحرب سياسة تختلف كل الاختلاف عن سياستنا نحن، فقد عقدت سنة 1930 معاهدة مع العراق كانت نهاية للانتداب البريطاني وفاتحة لانتظام العراق في سلك جامعة الأمم. وفي سنة 1935 بدأت مفاوضاتها مع مصر لعقد معاهدة صداقة وتحالف. . . وما من شك في أنه كان لهذه السياسة أثر كبير في سوريا التي كانت ترقب مجرى الحادثات في غليان وقلق
وقد أثبت ذلك سلسلة الوقائع المتأخرة، ففي 10 يناير 1936 قرر الحزب الوطني اتباع سياسة سلبية مطلقة وإعلان الإضراب العام إلى أن تجاب مطالب سوريا في الوحدة والاستقلال. وضم الإضراب سلسلة من المآسي وأسفر عن 60 قتيلاً ومئات من الجرحى، واضطر مندوبنا في سوريا مسيو (دومارتل) أن يستشير وزارة الخارجية، وكان على رأسها المسيو فلاندان فأشار بفتح باب المفاوضات مع وطنيّ سوريا
وقد انبثق عن هذه المفاوضات بين زعماء الحركة الوطنية وبين المفوض السامي تصريح أول مارس سنة 1936 الذي نص على وجوب عقد معاهدة في باريس بين وزارة الخارجية ووفد مفاوض تنتخبه البلاد، على ألا تقل هذه المعاهدة عن معاهدة إنكلترا