للدكتور حسن إبراهيم حسن
أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب
من ولاة العصر العباسي الذين عرفوا بالخير والعدل واكتساب محبة الأهلين موسى بن عيسى الذي ولي مصر ثلاث مرات. فقد أشتهر بالعدل في البلاد وتحبب إلى النصارى فأذن لهم ببناء الكنائس التي هدمها سلفه علي بن سليمان وقد أشار عليه بذلك قاضياه الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، بحجة أن إرجاع الكنائس المستحدثة في الإسلام من مستلزمات عمارة البلاد. ومما يدل على عناية هذا الوالي بالعمارة ما كان من زيادته في جامع عمرو.
وكان عنبسة بن إسحاق (238 - 242هـ) آخر من ولي مصر من العرب. وكان من أحسن الولاة الذين ولوها في هذا العصر، مما حدا بالمؤرخين إلى القول بأنه أظهر من العدل ما لم يسمع بمثله في زمانه. وقد بلغ من تورعه وبغضه للمظاهر أنه كان يروح من دار الإمارة إلى مسجد العسكر ماشياً. وكان آخر من أموا الناس في السجد. وقد بنى المصلى الجديد سنة 240هـ إذ رأى أن المصلى القديم ضاق بالمصلين. وكذلك حصن دمياط وتنيس بعد أن أغار عليها الروم سنة 238هـ فبقيت دمياط في يد المسلمين إلى أن استولى عليها الصليبيون سنة 616هـ
على أن عدل عنبسة وورعه لم يكسباه حب الناس جميعاً، فقد كان مكروهاً من البعض لاعتقاده بمذهب الخوارج مما دفع بالفضل أبن يحيى إلى أن ينحى فيه بالملائمة على الخليفة لتوليته إياه مصر. وما قاله أيضاً من شعر يتهم فيه هذا الوالي بالتراخي عن طرد الروم من هذه البلاد وقت استيلائهم على دمياط وتنيس كما تقدم
مَن فتى يبلغ الإمام كتاباً ... عربيا ويقتضيه الجوابا
بئس والله ما صنعت إلينا ... حين وليتنا أميراً مصابا
خارجيا يدين بالسيف فينا ... ويرى قتلنا جميعا صوبا
مر يمشي إلى الصلاة نهارا ... وينادي السحور، ضل وخابا
ومن هنا نتبين كيف كان اعتقاد عنبسة بمذهب الخوارج - إن صح أنه كان يعتقد به - سبباً في الحط من شأنه وإظهار ما أتاه في حكمه من عدل وما أظهره من ورع، بمظهر