وفي أثناء ذلك كانت قد تمت الفتوح العربية الكبرى ووقعت الفتن العظمى، ونبض عرق العصبية القبلية، وشاعت بين المسلمين أخبار الأمم القديمة والديانات غير الإسلامية على أيدي رجال مثل كعب الأحبار المتوفى عام 34هـ (؟) وعبيد بن شرية المتوفى حوالي عام 70هـ ووهب بن منبه المتوفى حوالي عام 110هـ فتوافرت أسباب شتى اقتضت جمع وتدوين الأخبار المتصلة بكل ذلك؛ فتدوين أخبار القدماء مثلا دعت إليه رغبة العلماء في فهم إشارات إلى الأمم الغابرة وردت في الكتاب والسنة، وميل بعض الخلفاء كمعاوية والمنصور إلى الإطلاع على سياسات الملوك ومكايدهم؛ هذا فضلا عن حرص الموالي على التنويه بمجد بلادهم القديم. ثم إن تدوين الأنساب وأيام العرب كان مطاوعة لحاجة الشعراء إليها عامة قي مقام الفخر والهجاء، وحاجة الدولة للأنساب خاصة للاستعانة بها في تقدير العطاء للجند. وكان الباعث الأقوى على تدوين أخبار الفتوح رغبة ولاة الأمور في معرفة ما فتح من البلدان صلحا، وما فتح عنوة، وما فتح بعهد، لأن لكل حكما خاصا من حيث الجزية والخراج. فلما دون ذلك كله وجد إلى جانب السيرة نوع آخر من الرواية التاريخية موضوعه أخبار الماضين، وأحوال الجاهلية، وحوادث الإسلام. وقد أطلقوا على ذلك كله لفظ (الأخبار) وعلى المتخصص في روايته (الأخباري) كما عرف المتخصص في رواية الحديث (بالمحدث). ونلحظ النقلة من الحديث إلى الأخبار في رجال خواص منهم ابن إسحاق والواقدي المتقدما الذكر. والمدائني المتوفى عام 225هـ. فكل من هؤلاء كان محدثا وأخباريا معا. كما نلحظ بداية التخصص في الأخبار في مثل محمد بن السائب الكلبي المتوفى عام 146هـ وكان مقدما في علم الأنساب، وعوانة بن الحكم المتوفى عام 147 وقد جمع أخبار بني أمية، وأبي مخنف المتوفى عام 157، وله كتب في الردة ووقعة الجمل ووقعة صفين وأخبار الخوارج. وسيف ابن عمر المتوفى عام 170 وله كتاب كبير في الفتوح، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفى عام 204 وله في أخبار الأوائل وأيام العرب وأنسابهم وأخبار الإسلام كتب كثيرة أحصاها ابن النديم في كتاب الفهرست، وقد طبع منها حديثا (كتاب الأصنام)
وقد وجد في تلك المرحلة نوع من التخصص المحلي في رواية الأخبار، فكان لبعض الأقطار الإسلامية الرئيسية أخباريون اختصوا بجمع أخباره وتدوينها. قال ابن النديم: