3- جعفر بن أبي طالب: وكان جعفر - رضي الله عنه - نسيج وحده، تفرد بخصائص لم يشاركه فيها أحد، فقد كان مقدم أصحاب رسول الله بين يدي النجاشي، والمتصدي لأعداء الله حين حاولوا إغراء النجاشي بطردهم من بلاده، واستطاع جعفر بعقله الراجح، وأسلوبه الفريد، وحجته البالغة أن يستحوذ على قلب النجاشي، ويستميله إلى صفوف المسلمين كما تمكن من أن يأخذ منه أمانا له ولأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقاموا في الحبشة على خير ما يحبون.
علمت قريش بطيب مقام المهاجرين، وغاظها ما صاروا إليه من الأمن والاطمئنان، فدبروا أمرهم ليكيدوا المهاجرين الفارين بدينهم إلى حيث يطمئنون على عقيدتهم، ويتمكنون من عبادة ربهم.
أرسل أهل مكة رجلين من أشرافهم هما: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، والرجلان مخزوميان، وجهزوهما بالهدايا الثمينة للنجاشي وبطارقته، وأمروهما أن يقدما هدايا البطارقة قبل أن يدخلا على النجاشي حتى يساعدوهما عند النجاشي فيما قدما من أجله.
ولا يخفى على الإنسان سبب اختيار عمرو بن العاص لتلك المهمة؛ فهو مع كونه شريفا من أشراف قريش، داهية من دهاة العرب المعدودين؛ يستطيع بذكائه إقناع من أمامه بما يريد، ويتمكن بحيلته إن لم تسعفه الحجة من بلوغ مأربه.
ولكن جعفر الداعية المؤمن، قد أفسد عليه رأيه، وعطل فيه دهاءه، فلم تعد لديه القدرة على الإقناع، ولم تسعفه الحيلة ليدبر المكيدة التي جاء من أجلها.