ولم يكد يستقر الإيمان في قلبه حتى استأذن من رسول الله في الذهاب إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فأذن له، وبدأ الطفيل بأبيه فأسلم، وثنى بزوجه فلم تخالفه، ثم توجه إلى قومه فأبطأوا عليه، ولكنه لم ييأس.
يقول ابن هشام: (قال - الطفيل -: فلم أزل في أرض دوس أدعوهم إلى الإسلام.. حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر؛ فأسهم لنا مع المسلمين) [37] .
والذي يلفت النظر في قصة الطفيل موقفان لابد من تجليتهما؛ حتى يتعلم الدعاة كيف يدعون إلى الله:
الأول: لما أبطأ قوم الطفيل في الدخول في الإسلام ذهب إلى رسول الله، وطلب منه أن يدعو عليهم، فدعا لهم الرسول قائلا: اللهم اهد دوسا، وأمر الطفيل أن يرجع إلى قومه، وأن يدعوهم ويرفق بهم، فرجع حتى كان إسلامهم على يديه [38] .
ومن هنا يجب أن يتعلم الدعاة أن الناس لا يستجيبون لأول وهلة، لأن لهم عقيدة يتعلقون بها؛ فلابد من الصبر عليهم والرفق بهم، حتى يتبين لهم الحق، وحينئذ يسارعون إليه.
الثاني: أن الإيمان لما استقر في قلب الطفيل خرج منه الخوف من تلك الآلهة التي كان يعبدها، فلم يعد يحفل بها ولم يعد لها مكانتها في نفسه، ونحن نلمس ذلك عندما أمر زوجه أن تذهب إلى حمى الصنم الذي كانوا يعبدونه فتغتسل هناك حتى يعرض عليها الإسلام.
قالت زوجه: بأبي أنت وأمي، أتخشى على الصبية من ذي الشرى - الصنم - شيئا؟ قال: لا، أنا ضامن لذلك [39] .
لقد أصبح ذو الشرى - ذلك الصنم الذي كان يعظمه الطفيل ويرهبه - حجرا لا يضر ولا ينفع، وأصبح الطفيل يزدريه ويحتقره، بل ويحتقر أولئك الذين لا يزالون يعظمونه، ويدعون له مكانة تعدل مكانة الإله، وهو لا يعدو أن يكون حجرا قطعوه من الجبل، وصنعوه بأيديهم، ثم دانوا له من دون الله بالإجلال والتضرع والابتهال.