ثم نرى منهم لجوءا إلى حيل المفلسين من البراهين، والمصرين على الضلال من غير أن يكون لديهم عليه حجة، فيهددون الدعاة باتخاذ أبشع أنواع التعذيب.

ولكن الدعاة لا يلتفتون إلى مثل ذلك التهديد، فهم يسمعونه في كل يوم، وهم مؤمنون بأنهم لن يصيبهم إلا ما قدر لهم، ويعتقدون أن أقصى ما ينزل بهم هو العذاب حتى الموت، وتلك هي الشهادة التي يتمناها الدعاة المخلصون، لأنها تقربهم من غايتهم، حيث لا يروي شجرة النصر إلا الدماء، ولا يكتب للدعوة النجاح إلا إذا قدمت الشهداء، وتلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

ولهذا يحاول الدعاة رد الأمور إلى أصولها، ويبينون أن ما ينزل بالناس إنما هو بسبب انصرافهم عن الحق، ولجاجهم في الباطل؛ فيقولون في هدوء الواثق من الحق، وطمأنينة المؤمن بالقضاء والقدر: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ، لسنا نحن سبب ما نزل بكم من القحط وقلة المطر ولكنكم أسرفتم في الضلال، وتماديتم في الباطل؛ فاستوجبتم ما حل بكم {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} .

وتقف الآيات عند هذا الحد، فلا تتكلم عن مصير الدعاة، ولا تبين ماذا تم على أيديهم، والذي يظهر من السياق أنهم انصرفوا راجعين من حيث أتوا وقد بلّغوا، وليس عليهم إلا ذلك {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} [33] .

ويخلف رسل عيسى رجل من أهل القرية فهِم الدعوة وآمن بها، وأيقن أن من حقها عليه أن يحملها إلى الناس، وأن يدعو بها من لا يؤمن بها، فلما بلغه أن أهل القرية عصوا الدعاة، ولم يدخلوا في دعوتهم أقبل مسرعا، ودعا قومه إلى الطاعة والإيمان، وواجه عنادهم بالحجة والبرهان، {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [34] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015