ثم يتعجب من إصرارهم على الباطل، وإلحاحهم عليه في قبوله، فيقول: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [26] ، ويثبت لهم بالأدلة المنطقية أن الذي يدعونه لعبادته ليس له دعوة ولا يستطيع الإجابة لمن دعاه، ثم يعذر إليهم بقوله: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [27] .
2- في عصر عيسى: ويمضي الزمن سريعا، ورسل الله تترى لا يخلو منها جيل، والدعاة يتابعون عرض دعوتهم، ويعملون على نشر فكرتهم، فيرسل عيسى- عليه السلام - الدعاة إلى القرى النائية يدعون أهلها إلى الدين الصحيح، {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُون، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [28] .
وفي هذه القرية يتعرض الدعاة للتكذيب، فيحاولون دفع هذا الاتهام، والمدعوون يصرون على تكذيبهم، وكأنهم كانوا ينتظرون أن يكون الدعاة من الملائكة أو من جنس آخر غير الجنس الآدمي فقالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} ، وجهلوا أن الدعاة لابد أن يكونوا من جنس المدعوين، وإلا لما استجابوا لهم، ولا فهموا عنهم، ولا استطاعوا التلقي عنهم، ولهذا قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً} [29] .