وها نحن نرى عمر يكل ويتعب، ولكن صبر امرأة وثباتها لم يضعفا ولم يهنا.
والمشهد يصور لنا ابن الخطاب وهو لا يزال على الشرك جالسا ليستريح مما أصابه من التعب والإرهاق، يلتقط أنفاسه التقاطا كأنه عائد من معركة مع خصم ذي بأس شديد.
وفي الجانب الآخر نشاهد الجارية وقد لاذت بإيمانها، واعتصمت بعقيدتها واقفة كالطود لم ينل منها الأذى إلا كما ينال من الصخرة حين يقرعها الوعل بقرنه.
ويعتذر عمر بن الخطاب لجارية آسفا لعدم قدرته على التعذيب أكثر من ذلك؛ فيقول: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة [13] .
وترد عليه الجارية في استعلاء المؤمن بإيمانه: واعتزازه بعقيدته فتقول: كذلك فعل الله بك [14] .
لا شك أنه مشهد يثير العجب، ويبعث على الدهشة؛ عمر بن الخطاب يضعف أمام امرأة!، المعذب يصيبه الملل والتعب، والمعذبة لا تسترحمه ولا تستعطفه!، المعذب يعتذر لعدم قدرته على التعذيب أكثر من ذلك، والمعذبة مستعدة لتحمل أكثر من ذلك في سبيل عقيدتها ومن أجل إيمانها!.
ويستسلم عمر ابن لخطاب القوي الجبار أمام صمود الجارية الضعيفة.
والحق أن المسألة ليست مسألة عمر والجارية، ولا هي مسألة قوة وضعف، ولكنها في حقيقتها مسألة الإيمان والكفر، وقصة الإيمان والكفر بعيدة الأغوار في أعماق التاريخ، لا يخلو منها جيل من الأجيال منذ خلق الله الإنسان.