في رسالة للجاحظ بعنوان "حجج النبوة" [36] يتحدث الجاحظ عن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها قائمة في القرآن الكريم، الذي هو معجزته الكبرى… الخالدة، ويقيم الدليل على هذا بما عرف من تحدي القرآن للعرب، وعدولهم عن لقاء هذا التحدي، والنزول في ميدان القول ... فهربوا من هذا الميدان… وأوقدوا نار الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم… فقتلوا وقتلوا…ولو كان في مستطاعهم أن يصمدوا لهذا التحدي لما فروا هذا الفرار المشين، ولما رضوا أن يعرضوا أنفسهم للموت، وخاصة بعد أن ظهر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان أيضا، وقتل كثير من فرسانهم ومشيختهم.
يقول الجاحظ:
"إن محمدا عليه الصلاة والسلام مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر من العين ... وذلك قوله لقريش خاصة، وللعرب عامة -مع ما فيها من الشعراء والخطباء والبلغاء- والدهاة، والحلماء، وأصحاب الرأي والمكيدة، والتجارب، والنظر في العاقبة: "إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، وصدقتم في تكذيبي" [37] .
ثم يتحدث عن معجزة النبي "محمد صلى الله عليه وسلم"فيقول:
"وكذلك دهر "محمد"صلى الله عليه وسلم، كان أغلب الأمور عليهم وأحسنها عندهم وأجلها في صدورهم حسن البيان ونظم ضروب الكلام، مع علمهم له، وانفرادهم به، فحين استحكمت لغتهم، وشاعت البلاغة فيهم، وكثر شعراؤهم، وفاق الناس خطباؤهم، بعثه الله عز وجل فتحداهم بما كانوا لا يشكون أنهم يقدرون على أكثر منه، فلم يقرعهم بعجزهم، وينقصهم على نقصهم حتى تبين ذلك لضعفائهم وعوامهم، كما تبين لأقويائهم وخواصهم، وكان ذلك من أعجب ما آتاه الله نبيا قط، مع سائر ما جاء به من الآيات ومن ضروب البرهانات [38] .