وقد وجه البيهقي كون الحديث ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه. فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها. ومن ثمَّ ورد: "نية المؤمن خير من عمله" كما ورد في صحيح مسلم: "يبعثون على نياتهم"وحديث "جهاد ونية" وحديث: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وحديث: "رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته"وحديث: "من غزا لا ينوي إلا عقالا فله ما نوى" [2] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" هذا التركيب - كما يرى الكرماني - يفيد الحصر عند المحققين فمعناه. كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية.
والنية - كما هو معروف من اللغة - هي القصد، أي عزيمة القلب، أو انبعاث القلب نحو ما يريده العبد من جلب نفع أو دفع مضرة.
قلت: إن القرآن الكريم يؤكد أهمية النية في العمل مثل قول الله عز وجل: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} [3] ، وفي قوله أيضا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [4] . ومفهوم الحديث: أن أعمال الإنسان تتبع نيته، وتصدر عنها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها …فهجرته إلى ما هاجر إليه".
ويرى بعض العلماء: أن الأقوال كالأعمال تصدر عن نية القائل، والحديث يتناولها بأحكامه بدليل الآية القرآنية من سورة الأنعام: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} .
ويقول القرطبي: "قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما لكل امرئ ما نوى" فيه تحقيق لاشتراط النية، والإخلاص في الأعمال".
ومما قاله السمعاني - في أماليه -: "إن الأكل إذا نوى به آكله القوة على الطاعة يثاب عليه".