إلى البقيع ويتحدث إليهن، فكتب بعض الرجال إلى عمر يشكون ذلك فأخرجه، وقد يصل الأمر ببعض المخنثين إلى أن يفقد رجولته حتى يؤتى، وقد ينتهي الأمر بالمسترجلة إلى أن تتعاطى السحاق بغيرها من النساء، ومن فعل ذلك من الرجال كان حكمه حكم الزاني وللمرأة من الذم والعقوبة القاسية، ما يكون عبرة وعظة وردعا وزجرا.
وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج هؤلاء من المخنثين من المدينة قطعا لدابر الرذيلة ووأدا لها في مهدها، وحتى لا تؤدي بصاحبها إلى ما هو أفحش وأشنع، وحتى لا يراه غيره ولا يسمع به، فلا يكون الأثر المذموم، وكذلك إيصادا لباب الشهوة والفتنة، قال المهلب: "إنما حجبه عن الدخول على النساء، لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال، فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب"اهـ. ويستفاد من الحديث أنه يجب حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وأنه يجب إبعاد من يستراب به في أمر من الأمور لا سيما في أمر النساء، وفي الحديث تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي، إذا تعين ذلك طريقا لردعه، وظاهر الأمر وجوب ذلك، وقد اتفق العلماء على أن تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار، حرام.
وظاهر الحديث أن المرأة المسترجلة المتشبهة تنفى كذلك، وإنما يكون ذلك إذا كان النفي إلى مكان أمين، وكان معها محرم لها وحيث تؤمن الفتنة بها، فإن لم يتيسر ذلك فلتعزر، ولتحبس، ولتمنع من المخالطة تأديبا وزجرا حتى تتوب إلى ر بها.. والمعروف أن عمر أخرج رجالا ولم يذكر العلماء من أخرجهن عمر من النساء، وأكثر الروايات "وأخرج عمر فلانا"بالتذكير، ورواية أبي ذر للبخاري "فلانة"بالتأنيث ووقع ذلك أيضا في شرح ابن بطال، وأما رواية الباقين فبالتذكير وكذا عند الإمام أحمد [20] والاعتماد على رواية التذكير ونسخ البخاري التي في أيدينا بالتذكير، والله أعلم.