وأمر آخر يصح أن يزاد.. وهو أن الدعوة كانت بحاجة إلى من يبلغ أحكامها الشرعية الخاصة بالنساء وهي كثيرة، وإذا كنا في موضوع الشهادة العادية في الديون والأقضية مثلا تقبل شهادة امرأتين مع رجل إذا لم يوجد رجلان، فما بالنا بالأحكام الأخرى المتنوعة التي تتعلق بالنساء خاصة وما أكثرها، إن زوجة واحدة لا تستطيع القيام بهذا العبء وحدها، فالأمر أكبر بكثير من ذلك، إذ أنه لا يقتصر على أمور الطهارة والحيض فقط، كما قد يتصور البعض وإنما كل ما يتعلق بأحكام الزوجية، وآداب البيت، وشئون المرأة عبادة ومعاملة وأخلاقا، خاصة تلك الأمور التي كان صلى الله عليه وسلم يستحي أن يصارح بها النساء، أو يستحين أنفسهن من أن يسألنه فيها من أحكام الجنابة والطهارة وغيرها.. من أمثلة ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، تم قال: "خذي فرصة ممسكة فتطهري بها"قالت: "كيف أتطهر بها؟ "قال: "سبحان الله تطهري بها"قالت عائشة ـ وكأنها تخفي ذلك –: "تتبعي بها أثر الدم" [38] ثم إنه صلى الله عليه وسلم استحيا أو استتر بثوب كما في رواية الترمذي، أي منعه الحياء بأن يصرح لها بوضع القطنة المطيبة بالمسك في المكان الذي كان يخرج منه الدم إتماما للطهارة، فأخذتها السيدة عائشة وأفهمتها المراد، هكذا كانت أمهات المؤمنين خير مبلغ لمثل هذه الأمور النسائية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كن فيها وفي غيرها من رواية الحديث والاستفتاء خير مرجع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.. يقول السيد رشيد رضا: "كان الرجال يرجعون بعده عليه الصلاة والسلام إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام الدين، ولاسيما الزوجية، فمن كان له قرابة منهن، كان يسألها دون غيرها، فكان أكثر الرواة عن عائشة أختها أم كلثوم، وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث، وابن أخيها القاسم وعبد الله