ولما شكت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موضوع إقدام والدها على تزويجها من ابن عمها على غير رغبة منها وكل عليه السلام ذلك الأمر إليها إن شاءت قبلته، وإن شاءت رفضته دون إرغام، روى النسائي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت عليها فقالت: "إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته وأنا كارهة"، فقلت: "اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: "يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم أَللِنِّساء من الأمر شيء" [30] .
وعن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها [31] .
فالرأي في موضوع الزواج - تعدادا أو ابتداء - موكول إلى المرأة، تقبل منه ما ترى فيه السكن والمودة، وتنتظر ورائه الخير والأمان، أو ترى فيه ضرورة أخف من غيرها، وترفض منه ما تتوقع من ورائه القلق والمتاعب.
وبعد فإن الشريعة الإسلامية في إباحتها للتعدد إنما اعتبرته نوافذ ضيقة لحالات استثنائية اضطرارية، وأدوية محدودة لحالات قائمة، وقد سلكت فيه مسلكا سائغا ومقبولا لا غلو فيه ولا إفراط، ولعل فيما هو منتشر الآن في البلاد التي لا تسمح نظمها بالتعدد وتحتم على أتباعها الاقتصار على واحدة مهما كانت الظروف والأسباب، أقول: لعل فيما هو منتشر الآن في تلك البلاد من الفوضى الجنسية واستباحة الأعراض والتفسخ الأخلاقي والتخالل السري والعلني، والتحايل على النظم ونقضها بشتى الحيل، أن في بعض ذلك ما يكفي كدليل قاطع على سمو التشريع الإسلامي وحكمته التي يلتقي فيها مع الإنسان في فطرته وواقعه، ويتوافق مع شئونه وملابسات حياته لأنه ينظر إليها من جميع زواياها القريبة والبعيدة.