أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد، والمكر، والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟ " [8] وإني لأستحسن أن أسوق هنا المثل الذي ذكره الإمام ابن القيم في بيان كيف كاد الله تعالى ليوسف عليه السلام مجازاة لإخوته على ما فعلوه، وذلك في عباراته الآتية:- "إن جزاء المسيء بمثل إساءته جائز في جميع الملل، مستحسن في جميع العقول، لهذا كاد سبحانه ليوسف (عليه السلام) حين أظهر لإخوته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا له أمرا وأبطنوا خلافه، فكان هذا من أعدل الكيد الذي قال فيه تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (يوسف آية 76) فإن إخوته فعلوا به مثل ذلك حتى فرقوا بينه وببن أبيه وادعوا أن الذئب أكله، ففرق بينهم وبين أخيهم بإظهار أنه سرق الصواع، ولم يكن ظالما لهم بذلك الكيد حيث كان مقابلة ومجازاة، ولم يكن أيضا ظالما لأخيه الذي لم يكده ... بل كان إحسانا إليه وإكراما له في الباطن، وإن كان طريقة ذلك مستهجنة، لكن لما ظهر بالآخرة براءته ونزاهته مما قذفه به، وكان ذلك سببا إلى اتصاله بيوسف واختصاصه به، لم يكن في ذلك ضرر عليه، يبقى أن يقال: وقد تضمن هذا الكيد إيذاء أبيه وتعريضه لألم الحزن على حزنه السابق، فأي مصلحة كانت ليعقوب (عليه السلام) في ذلك؟ فيقال: هذا من امتحان الله تعالى له، ويوسف إنما فعل ذلك بالوحي، والله تعالى لما أراد كرامته، كمل له مرتبة المحنة والبلوى ليصبر فينال الدرجة التي لا يصل إليها إلا على حسب الابتلاء، ولو لم يكن في ذلك إلا تكميل فرحه وسروره باجتماع شمله بحبيبه بعد الفراق، وهذا من كمال إحسان الرب تعالى، أن يذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة الجبر، ويعرفه قدر نعمته عليه بأن يبتليه بضدها" [9] ثم قال: "فعلم أنه لا