وثانيا: أن ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتداد بذلك بمثل البيهقي والعقلي والخطابي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي فالذي يرجع في ذلك إلى ابن خلدون كالذي يقصد الساقية ويترك البحور الزاخرة وعمل ابن خلدون في نقد الأحاديث أشبه ما يكون بعمل المتطبب إذا خالف الأطباء الحذاق المهرة..

وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه أحاديث مسند الإمام أحمد حيث قال: "أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها.."وقال: "إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.."وقال: "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.."انتهى.. ودخول ابن خلدون في ميدان الجرح والتعديل والحكم على الأحاديث بالضعف وهو ليس من أهل الصناعة الحديثية واغترار من اغتر بكلامه لا يبعد كثيرا عن معنى المقالة التي حكاها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية إذ قال: "وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي.. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان"، فإن ابن خلدون وإن كان في التاريخ علما من الأعلام، فهو في الحديث من الاتباع المستفتين وليس من المتبوعين المفتين، والقاصر في فن كالعامي فيه، وإن كان متمكنا في غيره.

والواجب الرجوع في كل فن إلى أهله، ولا شك أن المرجع في الحديث لمعرفة صحيحه وسقيمه أوعيته ونقاده.. قال الحافظ ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015