وانظر إلى القرآن العظيم حينما يتخذ أسلوب التمثيل وسيلة إلى التغلغل في أعماق المنافقين فيكشف عن منازعهم ونوازعهم، ويبين خوالجهم ونبضاتهم، ويميط اللثام عن أدق حالاتهم وأحوالهم، ويلون سلوكهم ومشاربهم فها هو ذا- في أول سوره الطوال سورة البقرة- يحلل اتجاهاتهم، ويرسم بأسلوبه المشرق الأخاذ صورة تنبض بما يجيش في أعماقهم، وتومي إلى ما حاولوا الحفاظ عليه، وتفضح ما خفي من نقائصهم ونقائضهم.
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [33] .