وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [11] .
شبه الله حال أحبار اليهود وقد حملوا التوراة وقرأوها، وحفظوا ما فيها، ولم يعملوا بها ولا انتفعوا بآياتها بحال حمار يحمل أسفارا هي أوعية العلوم ومستودع ثمر العقول وهو جاهل بما فيها ولا حظ له منها إلا ما يكده ويتعبه.
ووجه الشبه هو شقاء كل باستصحاب ما يتضمن المنافع العظيمة والفوائد الشريفة من غير أن يحصل على شيء من تلك المنافع أو يعود عليه بعض تلك الفوائد [12] .
قال أبو تمام يمدح أحمد بن أبي داود وكان قد وشي به إليه فظهر كذب الواشي:
طويت [13] أتاح لها لسان حسود
وإذا أراد الله نشر فضيلة
ما كان يعرف طيب عرف العود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
شبه أبو تمام فضائله التي نشرتها الوشاية من المساوئ والأضرار برائحة العود تظهر النار طيبها مع ما في النار من الإحراق والإيذاء.
ووجه الشبه الهيئة الحاصلة من ترتب النفع على محاولة الضرر.
قال المتنبي من قصيدة له يعاتب فيها الدولة ويفتخر بنفسه: [14]
ويكره الله ما تأتون والكرم
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم
أنا الثريا وذان الشيب الهرم [15]
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي
مثل المتنبي حاله مع العيب والنقصان بحال الثريا مع الشيب والهرم فإذا كان يستحيل قيام هذين بالثريا، كذلك يستحيل قيام العيب والنقصان به.
ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من محاولة إلصاق شيء بشيء لا يناسبه.
وقال الشاعر:
من دونها للحادثات مصائد
نهاية أهواء القلوب بعيدة
ودون الذي يبغيه فخ وصائد
فنحن كطير يبتغي الحب مسرعا