ولا يخفى ما يستلزمه هذا من التعويق والتعنت، والوقوف أما بلوغ اللغة درجة الكمال، والوفاء بحاجات الإنسان المتجددة، وتعطيل الكثير من الكلمات التي يجوز لنا أن نحصل عليها بالقياس على أمثالها، وذلك لكثرة أفعال هذا النوع كثرة يتبعها الكثير من المصادر.
2- ويرى سيبويه وتبعه الأخفش أن مصدر الثلاثي قياسي، فله ضوابط يخضع لها، ولكن هذه الضوابط لا يصح استخدامها قياسيا مطردا قبل الرجوع إلى السماع في مظانة، ويجب الاقتصار على المسموع وحده بعد البحث عنه والعثور عليه ويوقف عنده، فإن لم يوجد سمات تستخدم الضوابط والأقيسة للحصول على المصدر، بمعنى أنه إذا وَرَد فعل وسمع له مصدر أخِذ به، لأننا مقيدون بالمصدر الذي نطقت به العرب وعرفناه عنهم، ولا داعي معه لإيجاد مصدر جديد لم تنطق به نصا، أما إذا لم يعلم لهذا الفعل مصدر، فإننا نأتي بمصدره على الوزن الغالب المقرر في أمثاله، لأن كثرة استعمال بناء أي مصدر لأي فعل مصححة للقياس عليه، قال سيبويه: "ولكن الأكثر يقاس عليه" [3] .
وقال بذلك ابن مالك، وردده الشيخ خالد [4] والأشموني [5] في كتبهم، وهذا الرأي هو الذي جرى عليه علماء الصرف واعتمدوه في كتبهم.
وتطبيقا لهذا الرأي فالفعل مثلا (علم) لا يأتي مصدره على (فعْل) - بفتح الفاء وسكون العين- فيقال: (علْم) كما هو مقتضى قياس أمثاله- وهي الفعل الثلاثي المتعدي- لأنه قد سمع فيه (علْم) ، فيؤخذ بهذا المصدر في هذا الفعل، بدون قياس على الوزن الغالب وهو (فعْل) .
3- ويرى الفراء أن مصادر الأفعال الثلاثية قياسية، ومعنى القياس عنده: أنه يجوز القياس على الكثير الشائع، سواء ورد السماع به أو بخلافه، أي يسوغ لنا في كل فعل ثلاثي أن نأتي بمصدره على الوزن الغالب في أمثاله، وإن سمع له مصدره على خلاف هذا الوزن، لأن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم، ويجوز استعمال أي المصدرين شئت، القياسي أو السماعي إن عرفته.