أنا لا أستطيع جواباً حاسما، ولكن قد يكون وضعي على حرف واحد جعلني سهلة على اللسان، سريعة الحركة والدوران، ليس في استعمالي كلفة ولا مشقة. فكان من هذا أن جئت على أساليب كثيرة شتى، ولبست حللاً من البيان حالية مبينة.
ومن الأساليب الرائعة المحكمة التي جئت عليها أسلوب الجملة المنفية، فقد صحبت فيها أحياناً (لم) وأحياناً أخرى (لا) ، وفي قليل من الأحيان وجدتني مصاحبة (ليس) .
ولي مع (لم) هذه النافية الجازمة صور كثيرة منها {أَلَمْ تَرَ إِلَى ... } جئت على ذلك في القرآن الكريم خمس عشرة مرة، غير أني أريد أن أقول شيئا قبل أن أمضي بعيداً في تفصيل هذه المرات، ذلك الشيء هو ما قاله ابن هشام الأنصاري في كتابه (مغنى اللبيب) ، وما علقه الدسوقي على ذلك القول في حاشيته.
قال ابن هشام (2) : "لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته". وعلق الدسوقي (3) :
"لأن طلب الفهم يقتضي سبق الجهل وهو محال، فحينئذ يحمل ما ورد فيه على أنه للتقرير أو للتوبيخ أو للإنكار".
وقال الزركشي في كتابه البرهان (4) : "فإن الرب تعالى لا يستفهم خلقه عن شيء، وإنما يستفهمهم ليقررهم ويذكرهم أنهم قد علموا حق ذلك الشيء".
وأقول أنا بعد هذا: إن الاستفهام منه تعالى يجيء لما تقدم ويجيء أيضا للتنبيه والتعجيب والتعجب كما في {أَلَمْ تَرَ إِلَى ... } التي جاءت في خمس عشرة آية أذكرها لك مرتبة حسب ورودها في سور القرآن الكريم:
ففي الآية الأولى من هذه الآيات يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} . (الآية 243- البقرة) .