لا يخدعنك ما حصلته في الجامعة من العلم عن مواصلة الإطلاع والقراءة، فأنت لم تحصل من العلم إلا قليلا، وهذه الشهادات التي حملتها بعد سنوات طويلة لا تغنيك شيئا أمام طلابك إذا دارت رحى النقاش، وناشتك أسئلتهم من كل جانب، فيفلت الزمام من بين يديك، وتتخلف عن مركز القيادة، وهيهات أن تجد المقيل من هذا العثار!.

أرجو أن لا تسلك سبيل الفرار في غرف التدريس، والفرار أيها الزميل الجديد ألوان شتى، وطرق مختلفة، لا أريد أن أقصها جميعا عليك، ولا أريد أن أعددها لك.

يشق بعض المدرسين أحيانا أن يمضي قدما في مناقشة الموضوع وبسط ما فيه من مسائل، فيتسلل على حين غفلة من الطلاب، أو على حين يقظة، ويعطف بعنان لسانه إلى موضوع آخر يلذ لكثير من الطلاب سماعه، فيحدثهم عن ذكرياته: ذكريات الطفولة، وذكريات المدرسة، وذكريات الجامعة، وذكريات الحياة وما وقع له فيها من طرائف، وما شاهده فيها من أعاجيب.

ولعلك سمعت أو رأيت في أثناء جلوسك على مقاعد الدراسة، وأنت تودع مدرسا وتستقبل آخر، لعلك سمعت أو رأيت من يحدث تلاميذه أخبارا خاصة عن أسرته وأبنائه وذوي قرباه، كأنما الفصل صديق حميم، فهو يفضي إليه ببنات صدره وأفراح قلبه.

لا أريد أن أذهب أبعد من هذا خشاة أن أنسى شيئا أنا حريص على أن أحذرك منه، وأخاف أن تقع فيه، ذلك أن يجرك الطلاب إلى الحديث عن السياسة، أو تجرهم أنت إلى الحديث عنها، فتشب في الفصل (حرائق) لا تستطيع إطفاءها حنى آخر العام، ويفسد عليك من الأمر مالا تجد إلى إصلاحه سبيلا.

أحب أن تلتزم موضوع الدرس، وألا تحيد عنه، وإذا دهمتك ضرورة عابرة، أو غلبتك مناسبة طارئة، وقفت عندها قليلا وقوف العابر العجلان.

الحذر الحذر أن تتصيد المناسبات لتلقي عن كاهلك أثقال الدرس، وتخرج عن الجادة إلى الشعاب والأودية!!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015