وهكذا يعلمنا الله - عز وجل - تأثير القدوة حين تتمثل ما تعلم في انتشال الناس من وهدات الجاهلية, ولقد علم الصحابة هذا التأثير للعمل في الإقتداء والإتباع, فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ من صلح الحديبية مع أهل مكة فيأمر أصحابه أن ينحروا ثم يحلقوا رؤوسهم, ولكن الصلح كان في نظر كثير منهم ذلاًّ وهوانا لا يليق بالمسلم, فكانوا في ذلك في غم شديد, فأبطأوا في تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يعمل رجل واحد, مع تكرار الأمر ثلاث مرات, ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا, لما لقيه من الناس, فها هو يأمرهم ولا يأتمروا, وتلهم أم سلمة رضي الله عنها إلى الحل الذي يحل هذه الأزمة, فإذا بالحل هو (القدوة المتمثلة) , فتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو خالقك".
فما كاد الصحابة يرون النبي صلى الله عليه وسلم ينحر ويحلق حتى قاموا جميعا ينحرون ويحلقون, وهكذا كان للعمل أكبر تأثير في الاستجابة للأوامر, وعرفت أم سلمة هذا لما تلقنته من بيت النبوة.
ولمن يريد أن يأخذ صورا عن تأثير القدوة المتمثلة في النفوس, فما عليه إلا أن يمر على السيرة النبوية فيستقي من كل حادثة فيها صورة كاملة للتأثير الفعال للأسوة الحقة, فهذا علي رضي الله عنه يحدثنا عن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "كنا إذا حمى الوطيس واحمرّت الحدق لذنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما أحد أقرب من العدو منه"