وأما الأديان فقد غايرت الفلسفة في منشئها ومنهاجها, حيث كانت منزلة من خالق الإنسان, ومبدع الحياة, العالم بجبلة الإنسانية, وما يصلح لها, وما يصلحها, فكانت في منهاجها وسبيل دعوتها مسايرة لجبلة الإنسان, ومن أكبر مظاهر تلك الموافقة أن أرسل الله - عز وجل - رجل من جنس البشر الذين يعيشون على وجه الأرض؛ ليكون لهم قدوة يتبعونه, ويقتفون أثره, إذ من جبلة الناس أن لا يقلدوا إلا من كان من جنسهم, وأشار الله عز وجل إلى ذلك في قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً} (95- الإسراء) , وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (9- الأنعام) . فلما كان على الأرض بشر كان الرسول بشرا, وكانت مهمة هذا الرسول أن يكون صورة صادقة لدعوته, في أوامرها ونواهيها, في خلقها وآدابها, ولذلك كانوا يقولون: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (88- هود) , ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقتدي ونتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
فالأوامر والنواهي قد بينت ووضحت, ولكن القدوة التي تمثلت الإسلام كاملا والتي يجب أن نتبعها في ذلك, ونقتفي أثرها, ونمضي معها, هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو من جنسنا فما عمله يمكننا أن نعمله, فلذا اتبعه السلف الصالح من الصحابة فنجحت دعوة الإسلام, وانتشرت في أنحاء المعمورة, تنقذ البشرية من العبودية لغير الله تعالى.