وقوله: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ..} أي: (بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة، وكريمة إلى زهيدة، وصلبة إلى رخوة وصالحة للزرع لا الشجر إلى أخرى على عكسها، مع انتظامها جميعا في جنس الأرضية، وذلك دليل على قادر مزيد لأفعاله على وجه دون وجه، وكذلك الزروع والكروم والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة الأجناس والأنواع وهي تسقى بماء واحد، ونراها متغايرة الثمر في الأشكال والألوان والطعوم والروائح، متفاضلة فيها. [48]
فهذه المشاهد الأرضية معارض متعددة، تثير في الإنسان رغبة التطلع إليها بحواسه جميعا.. برغم تأكيد النص على وجوب التطلع في ملكوت الله، والتدبير فيما أبدع وصور، ولن يخطئ العقل طريقه إلى الله إذا هو وقف متجردا بين يدي تلك الآيات.. ففي الأرض قطع متجاورات ولكنها غير متماثلة: منها الطيب الخصب، ومنها السبخ النكد، ومنها المقفر الجدب، ومنها الصلد، وكل واحد من هذه وتلك أنواع وصنوف وألوان ودرجات، ومنها العامر والغامر، ومنها المزروع الحي والمهمل الميت، ومنها الريان والعطش، ومنها ومنها ومنها.. وهي كلها في الأرض متجاورات، ولكنها ليست متساوية في الخصب أو الخواص..
ثم قال تعالى: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} .