الآيات الكريمة هنا تطوف بالقلب البشري في مجالات وآفاق متعددة، وتعرض من مشاهد الكون: الأرض الممدودة وما فيها من رواسي ثابتة، وأنهار جارية، والليل إذ يغشاه النهار، والجنات والزرع والنخيل في مختلف الأشكال والطعوم والألوان، ينبت في قطع من الأرض متجاورات، ويسقى بماء واحد.
وأول المشاهد المعروضة هذه الأرض المبسوطة على امتداد البصر، ولا يهمّ ما يكون شكلها الكلي في حقيقته؛ إذ إن مدّ الأرض وبسطها ليس دليلا على عدم كرويتها؛ إذ هي مبسوطة ممدودة في نظرنا لنعيش عليها، ويقابل مدّ الأرض إرساء الجبال مع تحركها ودورانها.
وعلى هذه الأرض معارض مختلفة، تتفاوت فيها أنظار الناظرين: بين النظرة العابرة التي لا ترى إلا الآفاق الفسيحة الممتدة، والنظرة المتأملة التي تنفذ إلى تدبر عظمة الخالق، وجلال عمله، وروعة حكمته مما يملأ القلب خشوعا، وولاء، وحمدا للخلاق العظيم.. رب العالمين..
وقوله: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: (خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين حين مدّها ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت، وقيل أراد بالزوجين الأسود والأبيض، والحلو والحامض، والصغير والكبير وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة) [41] .
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن المقصود بالزوج في مثل قوله تعالى: {أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [42] ، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [43]- الزوج هو النوع، أي: نوع بهيج أو كريم، وعندما يكون الغرض من الزوج الذكر والأنثى يقول تعالى: {زَوْجَيْنِ} ؛ لأن الزوجين هما النوعان؛ نوع الذكر ونوع الأنثى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [44] .