والنبات كما بينا يبدأ حياته في الغالب بذرة أو نواة توضع في الأرض وتسقى بالماء، ثم تنفلق ويخرج منها جذير يمتد إلى أسفل، وسويق يمتد إلى أعلى، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} [22] ، وهذا الدور من حياة النبات يمكن أن يسمى دور الإنبات، وفيه تنشق الأرض عن النبتة الصغيرة ذات الورقتين الخضراوين، وفيه لا تأخذ البذرة أو النواة من خارج الأرض إلاّ الماء والأكسجين، أما ما عدا ذلك من الغذاء اللازم لتكوين الجذير والسويق والورقتين فتستمد مما أودع الله الحب والنوى من مواد عضوية كالنشا، قدّرها الله بحيث تكفى لتكوين تلك الأعضاء، وعلى الجذير والورقتين يتوقف غذاء النبات بعد ذلك؛ فالجذير يمتص الماء وما فيه من أملاح ذائبة في الأرض، والوريقات الخضر تقوم بعمليتي التنفس والتمثيل الخضري [23] .
وتعرف هذه العملية (بالتمثيل الكربوني) ؛ يدخل ثاني أكسيد الكربون من الجو إلى النبات عن طريق الثغور، فيقابل المادة الخضراء والماء، وتتكون من الكربون مواد الغذاء بفعل الحرارة والضوء، أما طريقة تكوين هذه المواد من غاز ثاني أكسيد الكربون، فهي عملية كيماوية معقدة، لم يقل العلم عنها إلا أن وجود المادة الخضراء والماء والحرارة، ينتج عنها تغييرات تنتهي بتكوين المواد الغذائية، ولا يتم إلا في الضوء، ولذا فهي تسمى أيضا (بالتمثيل الضوئي) ، ويقرر العلم أن هذه العملية هي أصعب وأعجب عملية تقوم بها الحياة، ولا يمكن لأي تركيبات أو أجهزة أن تقوم بمثل ما تقوم به ورقة خضراء في أي نبات [24] .
والمادة الخضراء التي ورد ذكرها في الشرح الآنف الذكر هي ما أشارت إليه الآية الكريمة بكلمة {خَضِراً} ، وإخراج هذا (الخَضِر) - أي المادة الخضراء - يأتي بعد إخراج النبات من الماء، وإذا تابعنا عملية خَلق النبات حسب تسلسلها في آية الأنعام - 99 - وجدناها موضحة بعوامل خلق ثلاثة، وهي كما يأتي: