أما المفتاحين الأخيرين {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} فلا زال العلم الحديث يدور حولها راهبا متهيبا، لا يجد مدعوه تجاههما فرية جديدة يحادون بها، فقد أدركوا جيدا أن الناس مع الدنيا الحلوة الخضرة يهيمون في حاضرها، ويرسمون لمستقبلها، وإذا الرسم لا يتم، فالكل يقول: سنفعل وسيكون، والخطة الخمسية والسداسية سيقام فيها كذا وكيت، وقد خلا كل ذلك من كلمة (إن شاء الله) فإذا بالذي كان، هو ما شاء الله أن يكون، ووجدوا ما رسموه سرابا بقيعة.
وعن المفتاح الأخير {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} وجد العلم الحديث نفسه أمام الموت يتحدى بآية جدعت أنوف الجبارين، وألصقت خدودهم الرغام {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، إن كنتم صادقين في أن الله لم ينفرد وحده بمفاتيح غيبه، ولقد بذلوا المكيال من المال، ليس ليدرؤوه وإنما فقط ليؤخروه، خاصة إذا حضر الموت رؤساءهم كي ينالوا الحظوة لديهم، فما وجدوا إلا هذا القول الأعز {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} ، فمن سواه يؤخره؟ وفي أي مكان من بلاده ينهي أجل عباده؟ فهؤلاء غاصوا مع السفينة في الماء، وهؤلاء انفجرت بهم الطائرة في الهواء، وألوف المقاتلين حصدوا في الميدان، وهذا سافر ولم يعد، وهذا مزقته في الطريق سيارة سائق مجنون، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}