الثاني: من مفتاح الغيث {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، لولا أني أخشى الطول وأفتح الباب للملول لأسهبنا في الحديث عن هذه اللؤلؤة القرآنية، ونكتفي بأن نقول: إنه إذا ذكر أمرٌ ما في آية من القرآن لابد أن يشير ختامها إلى ما ذكر فيها؛ فالآية في النهاية حكمت العقل البحث فيما قدمته من عجائب، يستحيل أن يجهل أو ينكر من مسلم أو كافر، فكيف يجهل أو ينكر خالقها؟ فالماء واحد والكل يراه ويشربه، ينزل على قطع من الأرض متلاصقات، لكن هنا عنب، وهنا زرع فيه حب، وهنا نخل صنوٌ بجذر واحد وجذع واحد، وغير صنو بجذر واحد وجذوع مختلفة، لكنها جميعها تفاضلت حجما ولونا وطعما ورائحة، والماء واحد، أفلا يدل ذلك بالعقل الصرف على إله واحد؟ تم تفيد الآية بأن ما ذكر فيها - وهو لا يزيد عن السطرين - لآيات وليست آية واحدة، لكن لمن هذه الآيات تقدم وتفهم؟ تجيب الآية {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، أما غير العقلاء فالآية أجل وأكرم من أن تقدم إليها عجائبها، فلما لم يعقل الناس، حاق بهم ما جعلهم يصرخون الآن في أنحاء الأرض من الغلاء وتضخم الأسعار، بسبب نقص المواد الغذائية لقلة الحاصلات الزراعية، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فبركات السماء الماء، وبركات الأرض النماء، ولا دنيا بغيرهما، وظننا اليوم أنه سبحانه أخذ العباد أيضا بما كسبوا؛ فمنع الماء عن قوم، وأغرق به آخرين، لما سلطه فيضانا ماحقا، ليتحول مصدر الحياة إلى مُعدمها بما نسمع كل يوم في بلد إسلامية وغير إسلامية.