فليت هذا الوزير قد تذكر بعض ما قرأه أيام الطلب من أخبار السلف عن مواقفهم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ليته يقرأ نبأ مالك إمام المدينة رحمه الله؛ إذ كان يستوضح زواره عما يريدون من العلم، فإذا طلبوا الفقه خرج إليهم دون كبير احتفال؛ لأن الفقه فهم يتوصل إليه الرجال، فإذا كان المطلوب هو الحديث لم يواجههم حتى يغتسل ويتهيأ له بما يليق بلقاء رسول الله من الإجلال..
وأغلب الظن أن معالي الوزير سينفي عن نفسه ما قصصناه عنه تنزها عن مثله.. غير أنه لا مندوحة له عن التفكير مليا قبل إقدامه على النفي؛ إذ يتذكر أن حديثه (العالي) مسجل، وسيتعذر عليه إزالته، فخير له أن يعود لتصحيح خطئه من الإذاعة نفسها، وبذلك نكون له مع السامعين من الشاكرين.
2- وهذا رابع الوزراء الذين قدر لنا أن ننبه إلى بعض أغاليطهم في هذا التعقيب.
كتب فضيلته ذات يوم - في مجلة إسلامية محترمة تصدر برعايته - حديثا تناول فيه بعض مشاهد السيرة النبوية الطاهرة، وكان مما تعرض له خبر الصحيفة الظالمة التي سجل فيها المشركون اتفاقهم على مقاطعة نبي الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين والمؤيدين.. حتى إذا صار الكلام عن نقضها ألقى الشيطان على قلمه أن بعض المطلعين قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بسطو الأرضة على الصحيفة حتى لم تدع فيها سوى اسم الله..
ولما روجع معاليه في ذلك، وطولب بذكر المراجع الذي استند إليها في روايته الغريبة تلك، جاء جوابه أكبر من غلطته؛ إذ اسند الخبر إلى أحد المستشرقين..
ونعود إلى خبر الصحيفة في كتب السيرة وغيرها من المؤلفات المعتبرة؛ فلا نجد أصلا لهذا القول.
والمحقق في أمر نقضها أنه جاء نتيجة تعاون بعض ذوى الغيرة من قريش، الذين آلمهم ما رأوا من أثر المقاطعة في أقربائهم؛ فاتفقوا على القيام بنقضها، على الوجه الذي أثبتته تلك الكتب..