تعقيب لا تثريب
لفضيلة الشيخ محمد المجذوب
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين
من عثرات الأقلام والأوهام:
أسوأ ما يتعرض له المشتغلون بالعلم، وخاصة ما يتصل منه بالنواحي الشرعية وتاريخ الإسلام، هو استكانتهم للكسل الذي يدفعهم إلى إرسال الأحكام دون تدقيق ولا تحقيق.
وقد أسلفنا في ما قدمنا من بحوث في هذا الباب (تعقيب لا تثريب) بعض النماذج الحية عن ذلك الوهن، الذي لا يسيء فقط إلى أصحابه، بل إنه ليسيء إلى الحقيقة التي يتصدرون للحديث عنها.
وها نحن أولا.. نقف عند تعقيب اليوم على نماذج من هذه الظواهر التي تفوق بوفرتها جهد المعقب، بالغا ما بلغ من الصبر والمتابعة، وكل ما نرجوه هو أن نوقظ بهذه الملاحظات وأخواتها همم هؤلاء الفضلاء، حتى لا يسمحوا لأنفسهم باتباع الظن، الذي لا يغني من الحق شيئا، ولئن قصر بنا الجهد عن استيفاء الأخطاء فحسبنا بذل الاستطاعة، والعجز صفة الإنسان، وقديما قيل: "ما لا يدرك كله لا يترك جله"..
1- أخرج البيهقي عن طريق إبراهيم بن عبد الرحمن الغدرى مرسلا، أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحمل هذا العلم من كل خَلَفٍ عدُولُه؛ ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" [1] .
وهذا الحديث الشريف يعتبر من جوامع الكلم، ومن الإشارات الخطيرة إلى مستقبل الإسلام، ومسيرة الدعوة الربانية.
ولكي يتضح المضمون العظيم لهذا البلاغ النبوي يحسن بالباحث إبراز بعض دقائقه ليكون القارئ على بينة مما سنقصه عليه.