فكيف بعد ذلك ظهر لفضيلتكم أن لا شيء من هذا، وإنما هو في الحقيقة مذهب واحد؟.. وأي المذهبين يا فضيلة الشيخ بدا لكم أنه لا وجود له؟.. هل هو مذهب ابن تيمية ومن وافقه الذي في سابق تقريركم ومناقشتكم أنه مذهب شاذ حادث بعد مضي سبعة قرون من تاريخ الإسلام؟.. أم مذهب السبكي ومن وافقه الذي قررتم فيما تقدم من بحثكم أنه مذهب الجمهور.؟.
ثم أخذ فضيلته يشرح وجهة نظره تلك فقال:
وتحقيق ذلك كالآتي وهو: ماداموا متفقين على شدّ الرحال للمسجد النبوي للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتفقون على السلام على رسول الله بدون شد الرحال، فلن يتأتى لإنسان أن يشد الرحال للسلام دون المسجد، ولا يخطر ذلك على بال إنسان، وكذلك شد الرحل للصلاة في المسجد النبوي دون أن يسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن يخطر على بال إنسان، وعليه فلا انكفاك لأحدهما عن الآخر؛ لأن المسجد النبوي ما هو إلا بيت، وهل بيته صلى الله عليه وسلم إلا جزء من المسجد، كما في حديث الروضة.
ومناقشتنا لفضيلة الشيخ هنا في نقاط، علماً بأنني والله لا أرى هذا الكلام يستحق المناقشة:
1- لماذا (متفقين.. متفقون) ، أليست الثانية معطوفة على الأولى بالواو؟.. أليس التعاطف يقتل الاشتراك في الإعراب؟..
2- تقولون يا صاحب الفضيلة: إنهم متفقون على شد الرحال للمسجد النبوي للسلام على رسول الله.. أرجوكم إعادة النظر من الآن في هذا الكلام للطبعة القادمة إن شاء الله؛ لأن الواقع الذي هو موضوع البحث من أوله إلى آخره هي هذه النقطة، فلو كانوا متفقين عليها لم يجر شيء من هذا الخلاف أبداً، ولا ألّفت مؤلفات من الجانبين، ولا صار هناك مذهب للجمهور ومذهب لغير الجمهور كما قررتم، ولا سجن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا قام العلماء في بغداد وغيره للانتصار له والشهادة بأنه على الحق، كما قدمنا نقل ذلك من مصادره.