وهذا الاستنباط الذي توصل إليه فضيلة الشيخ، واستطاع بواسطته أن يكتشف مذهب الإمام البخاري في مسألة شد الرحال - التي ما حدث الكلام فيها إلا بعد وفاة الإمام البخاري - رحمه الله - بما لا يقل عن مائتي سنة - غير سليم لما يأتي:

أولا: في زمن البخاري وقبله لم يوجد من علماء المسلمين من يقول بمشروعية ولا بجواز شد الرحال لزيارة القبور، حتى ننظر مذهب البخاري، هل هو مع المانعين لشد الرحال إلى القبور أو جمع غيرهم، والسبب أنه حتى ذلك التاريخ لم يحدث في الأمة الإسلامية قبوريون.

ثانيا: عدم صحة قول من زعم أن مذهب الجمهور مشروعية أو جواز شد الرحال لزيارة القبور في يوم من الأيام حتى يومنا هذا، إلا أن يراد بالجمهور طغام العوام ومن على شاكلتهم من العلماء.

ثالثا: البخاري فقيه ملهم؛ لذلك لا نستبعد أن يكون الله تعالى قد ألقى في روع ذلك الفقيه الملهم أن سيحدث بعدك في أمة محمد قبوريون لهم مزاعم فاسدة، ومن مزاعمهم أن يدّعوا أن الحكمة من استثناء المسجد النبوي من المسجدين الآخرين في حديث النهى عن شد الرحال هي من أجل زيارة القبر النبوي الشريف - كما زعم ذلك أبو زهرة في كتابه (ابن تيمية) ، وما أظنه أول من قال بذلك ولا آخر من يقول به - فألقى الله في روع ذلك الإمام بأن يتقدم بالرد عليهم قبل وجودهم بما يقارب مائتي سنة؛ فيقول: إن المساجد الثلاثة استثنيت في حديث لا تشد الرحال لما تميزت به من فضل على جميع بقاع الأرض ترتب عليه مضاعفة ثواب الصلاة فيها.

هذا هو السبب الذي من أجله أورد البخاري حديث فضل المساجد الثلاثة بعد حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.."، أي أنه أراد أن يبين حكمة الاستثناء وموجبه، وأنها لولا ذلك لكانت كغيرها من المساجد والبقاع لا تشد لها الرحال.

فالقضية - في نظر البخاري وأمثاله - قضية مساجد وصلوات، لا قضية أضرحة ومزارات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015